كما أفرد التاريخ صفحات لكل العظماء أفرد أيضًا للطغاة ذوي النزعة الجنونية صفحات أخرى ، فالتاريخ لا ينسى من مر عليه وقام بأفعال تحسب له أو عليه ، ومن الطغاة الذين خلدهم التاريخ الإمبراطور الروماني كاليجولا حفيد القائد الروماني يوليوس قيصر وعم نيرون الحاكم المختل الذي حرق روما بأكملها .من هو كاليجولا :
اسمه غايوس يوليوس قيصر وهو الإمبراطور اليوناني الثالث ، عرف بوحشيته وجنونه المفرط حيث عد نفسه إله وطلب من الشعب عبادته ، وسمي كاليجولا بهذا الاسم منذ صغره وهو يعني المجند ذو الحذاء الصغير ، ولقب بذلك الاسم لأنه كان يرتدي حذاء صغير مع بذله عسكرية حاكتها له والدته في صباه ، واعتاد أن يذهب بهما إلى الحصون لتعلم فنون المحاربة من الجنود ، فأطلقوا عليه هذا الاسم .ولد كاليجولا في الـ 31 من أغسطس عام 12م حينما كان حكم الإمبراطور أوغسطس على حافة الانهيار ، وبعد ولادة كاليجولا بعامين تولى الحكم من بعده تيبيريوس الذي كان مكروهًا من الشعب بسبب سياسته السيئة ، وكان شريطة توليه الحكم حينها إن تم رفضه من الشعب أن يسلم السلطة لجيرمانيكوس والد كاليجولا .كان كاليجولا هو الثالث وسط ستة أبناء لوالده جيرمانيكوس الزعيم المحبوب من شعب روما ، وهو الناجي الوحيد من أسرته بعد تخلص تيبيريوس منهم حتى لا يزاحمه أحد على السلطة حيث أنه أرسل أحد عملائه لتسميم جيرمانيكوس بسوريا .أما أغريبينا والدة كاليجولا فلم يسمح لها الإمبراطور تبييريوس بالزواج ثانية خشية أن يكون زوجها منافس له على الحكم ونفاها هي وابنها نيرو عام 29م بتهمة الخيانة ، وفي 30م سجن ابنها الأخر دورس بنفس التهمة ، ولم يبقى من الذكور سوى الابن كاليجولا الذي كان مازال طفلًا مراهقًا فأرسله للعيش مع والدته ليفيا .وفي عام 31م جلبه ثانية للبقاء تحت رعايته الشخصية في كابري فظل معه لمدة ست سنوات ، وجعله هو وابن عمه جيمليوس ورثة متساويين في العرش ، وبعد وفاة الإمبراطور في عام 37م تولى كاليجولا الحكم بمساعدة ماركو حليف كاليجولا ، ويقال أن موت تيبيريوس لم يكن طبيعيًا بل كان لكاليجولا يد فيه رغم أنه مات في عمر السابعة والسبعين ولكن البعض يتصور أنه وريثه كاليجولا من قام بخنقه انتقامًا منه على ما فعله بعائلته .بداية حكم كاليجولا :
رحب الشعب الروماني بالإمبراطور الجديد الذي كان عمره حينها فقط أربعة وعشرون عامًا ، ولم يكن لديه أي خبرة بالسياسة ولكنهم كرههم لتيبيريوس جعلهم يتأملون السعادة والرخاء في عهده ، واعتقدوا أن الولد سيكون سر أبيه فكما كان والده زعيم صالح لابد أنه سيكون مثله ، وبالفعل في الشهور الستة الأولى من الحكم قام كاليجولا بالعديد من الإصلاحات .حيث أفرج عن السجناء المحتجزين ظلمًا في عهد تيبيريوس ، وألغى الضرائب التي كانت مفروضة من وقتها ، فرحب الشعب الروماني بقرارته تلك وهلل لها كما أخذ يرفه عن شعبه ودعا لاقامة مباريات المصارعة والمسرحيات التي تروح عن الشعب وتسر نفسه ، ولكنه فجأة سقط في براثن المرض وظل طيلة شهر كامل بين الحياة والموت .فخيم الحزن على روما حزنًا على إمبراطورهم المحبوب ، ولكنه شفي بعد ذلك تمامًا ولم يذكر المؤرخين طبيعة مرضه بالتحديد فهناك من رجح أنه تسمم ، وهناك من اعتقد أنه مرض عقلي حيث أن كاليجولا تحول تمامًا بعد شفائه من المرض إلى رجل أخر حيث أعدم أقاربه من أبناء عمومته وقتل والد زوجته وصهره ولم يترك إلا عمه كلاوديس .جنون العظمة يصيب الإمبراطور الشاب :
ادعى هذا الإمبراطور الإلوهية حينما جاء العديد من الملوك التابعين لبلاطه ليعربوا عن احترامهم له ، فصرخ قائلًا : يجب أن يكون هناك رب واحد ، وبعدها ظهرت عليه بعض التصرفات المثيرة للجدل كارتدائه ملابس تشبه الآلهة كالتي كان يرتديها هرقل في موروث روما الثقافي ، ثم بدأ يشير لنفسه كإله ، وكان يرغب ببناء جسر إلى كوكب المشترى كي يذهب ويتشاور بنفسه مع الآلهة .كما كان يجبر أعضاء مجلس الشيوخ بالركض أمام عربته لأميال عدة واعتاد أهانتهم فنشأت بينه وبينهم خصومة ، وكان كاليجوالا يتفاخر بعلاقاته غير الشرعية مع نساء حلفائه ، كان ينظر لنفسه في المرآة ويقوم بعمل تعبيرات وجه مرعبة كما بدأ في ارتداء الملابس الغريبة والأحذية النسائية والإكسسوارات الفخمة والشعر المستعار .ومن الأشياء الغريبة عنه أيضًا خروجه على رأس جيوشه لمحاربة إله البحر ، فكان يأمر جنوده بجمع الأصداف وحينما يعود كان يخبر شعبه أنه حارب إله البحر وانتصر عليه ، وكان كاليجولا يسرف في الخمر والنساء فاستنزف خزينة الدولة ولتعويض ذلك أخذ يفرض الضرائب ويبتز الجميع .كما جعل لحصانه مكانة لم يحظى بها أحد وكان يرغب في تعيينه بأكبر مناصب الدولة لكن تم اغتياله قبل أن يحظى بتلك الفرصة ، ويقال أنه عمل مأدبة للاحتفال به ودعا كبار الإمبراطورية ومجلس الشيوخ إليها والمأدبة كانت عبارة عن أطباق من التبن والشعير !ونتيجة لبغائه وتماديه في الجموح والجنون تم اغتياله بعد أقل من خمس سنوات من حكمة ، ففي أواخر يناير عام 41م طعن كاليجولا حتى الموت من بعض ضباط الحرس المتآمرين بقيادة كاسيوس ، وذلك بسبب اهانة كاليجولا له ومناداته بأسماء أنثوية لضعف صوته وعدم تمسكه بجمع الضرائب .فما كان منه إلا أن طعنه ثلاثين طعنة أودت بحياته ، بالإضافة إلى قتل زوجته وابنته للتخلص من إرث كاليجولا ، وتمكن عمه كلاوديوس من الفرار بمساعدة أحد الحراس المخلصين إلا إنه عاد كوريث للعرش وتولى الإمبراطورية بعد دعم الحرس البريتوري له وأمر بإعدام كاسيوس وكل المتآمرين معه ليصبح هو الإمبراطور التالي لروما الزاخمة بأغرب الحكايات .