كانت تعيش لوزه مع باقي أشجار اللوز ، في حديقة جميلة ، يتنزه فيها الناس ، ويلعب فيها الأطفال بسرور بين الأشجار ، وكانت أشجار اللوز هي الأشجار الوحيدة المثمرة في الحديقة ، ولكنها لم تكن دائمة الخضرة .لوزة وتغيير الفصول :
ففي فصل الخريف تتساقط أوراقها ، وتبقى أغصانها باردة في فصل الشتاء ، عند حلول فصل الربيع تزهر أشجار للوز كلها ، وكذلك لوزه ، وتلبس حلة جميلة من النوار الأبيض ، وتكتسي أغصانها الرفيعة المتفرعة بالأوراق الناضرة الخضراء ، التي توفر الظلال لكل من في الحديقة وتتمايل مع نسائم الصباح والمساء ، ويسمع حفيفها في كل مكان ، ليلطف الأجواء للمارة ولزوار الحديقة .لوزة وجمالها :
وكما في كل عام كانت لوزة تتباهى دائمًا بنوارها ، الذي يسحر الأطفال الكثيرين الذين يلعبون حولها ، وكل الناس الذين يجلسون في ظلالها ، وتقول لباقي لأشجار كل يوم ، بأن الأطفال يأتون إاليها فقط ، ويفضلونها عن غيرها ، لأن ظلها وارف ونوارها وفير ، وهو أكثر جمالاً عن باقي الأشجار .لوزة وحكاياتها :
راحت لوزة تتحدث طويلاً عن نفسها ، وعن نوارها وأن كل الأشجار في الحديقة ، ليست الا أشجار عادية ، وليست بنضارتها وشموخها وظلالها ، وليس بهم أي شيء مثير مثل ما هي لديها ، وليس لديهم شيء يتباهون به ، وتقول وتنسج الأقاويل والحكايات باعتزاز كبير عن نفسها !أشجار اللوز والحديقة :
أما أشجار اللوز في الحديقة ، فكانت تستمع إلى حديث لوزة الطويل المتواصل ، بينما تنظر بفرح للأطفال من حولها ، وتظلل بتواضع كل الناس ، دون الاكتراث لحديث لوزة ، ودون أن تكثر الحديث عن جمالها أو ظلالها ، أو ارتفاع أغصانها المكسو بالنوار الكثير ، بل كانت تكتفي بأن تتمايل أغصانها الكثيفة مع نسايم الحديقة لتلطف الجو ، لكل الذين من حولها .الريح العاصفة :
في أحد الأيام هبت ريح قوية ، عصفت بكل ما في الحديقة ، فخاف الأطفال وأسرعوا إلى بيوتهم القريبة ، ليتقوا الريح الشديدة ، وراحوا ينظرون إلى الأشجار التي تميل يسارًا ويمينًا ، مع الريح خلف نوافذ بيوتهم ، اشتدت الريح وراحت تهز الأشجار بغضب وقوة ، أما أشجار اللوز فوقفت بعزم كبير أمام الريح ، وأسرعت لتتشابك أغصانها مع بعضها البعض ، لتحمي نوارها وأوراقها من الريح العاصفة .لوزة والريح العاصفة :
أما لوزة فلم تمد أغصانها لتتشابك مع أغصان الأخريات من أشجار اللوز في الحديقة ، وراحت الريح تضرب أغصان لوزة من كل صوب وحدب ، فسقط الكثير من نوارها وهرب منها الأوراق الخضراء المتساقطة ، واختبأ بين الأعشاب فوق التراب .معاناة لوزة :
ظلت لوزة تصرخ بصوت مرتفع ومتقطع ، بينما تواجه الريح ، بأنها الأفضل وبأنها لا تحتاج أن تحتميّ بالأشجار من حولها ، وبأن نوارها لم يحمل الثمر الأوفر كما في كل سنة ، ولا تحتاج إلى أي مساعدة من الأشجار التي لا تصمد وحدها ، حسب قول لوزة ، والريح تشتد وتضرب الأغصان دون هوادة .لوزة مازالت تتباهى :
بعدما رحلت العاصفة إلى قلب الفضاء وهدأت الريح ، نظرت لوزة إلى النوار الكثير الذي تساقط ، فوق تراب الحديقة ، غصت لكنها تسارعت لتتباهى ، بأنها انتصرت وحدها في مواجهة الريح القوية وحدها ، ومازالت الأجمل بين أشجار اللوز في الحديقة ، ورغم العاصفة مازالت أكثر الأشجار نضارة وأوفرها نوارً وثمرًا .أسف باقي أشجار اللوز على نوار لوزة :
أما باقي أشجار اللوز في الحديقة فشعرت بالأسف ، حين رأت النوار الذي سقط على الأرض بسبب الريح القوية ، ولكنها كانت فخورة بصمودها ، ورفعت أغصانها نحو الشمس الدافئة ، ونشرت أغصانها لكل الجهات لتظلل المكان ، وشعرت بالرضا لأنها استطاعت أن تحمي أكثر النوار وتحافظ عليه ، فوق أغصانها .فصل الربيع :
في نهاية فصل الربيع ، نضج النوار الجديد وأصبح لوز أخضر شهيًا ، وانحنت أشجار اللوز الثقيلة من كثرة ما تحمل من الثمر ، تدلت أغصان أشجار اللوز متواضعة لتقدم من لوزها الناضج الشهي ، لجميع كل من في الحديقة ، فتراكض تحت ظلالها الأطفال ، واستراح الناس وأكلوا اللوز الأخضر وباركوا خير تلك الأشجار .لوزة ذلك الموسم :
أما لوزة لم تحمل أغصانها إلا بعض حبات اللوز ، لأن أكثر نوارها قد سقط على الأرض منذ أن هبت الريح القوية ، وظلت لوزة تتباهى بكثرة أوراقها ، وتهز أغصانها الخفيفة عالية في الفضاء ، لا تحمل أي ثمر ولا تظلل الحديقة ، وراحت تقول بأنها مازالت الأجمل ، وتتساءل : لماذا لا يلعب الأطفال حولي ؟ لماذا لا يجلس الناس تحت ظلالي الوارفة ؟ .. فلم يلعب الأطفال حولها ، ولم يجلس الناس تحت ظلالها ، ذلك الموسم .