قصة دبيب النملة

منذ #قصص اطفال

استيقظت الملكة تاجيرا من نومها ، بكل نشاط وحيوية لتجد جميع من بالقرية يؤدي أعماله المكلف بها بإتقان وتفان ، في جمع الحبوب وتخزينها وتأمين مكان المعيشة ، الذي يأوي كل أفراد المجتمع النملي من خادمات وحراس ، وجنود وذكور حتى صغار النمل .الملكة والحارس :
طلبت الملكة من حارسها أبو مشغول بعض الطعام ، لإعطائها الطاقة اللازمة التي من خلالها يتم متابعة آخر تطورات الوضع ، وعملية تخزين الطعام لفصل الشتاء ، وحتى الاطمئنان على صغار اليسروع الذين هم أمل القرية ، في تزويد أعداد أفرادها وتقوية شوكتهم ضد أي أعداء ، وأيضًا الدرع الواقي لهم أوقات الحروب .الإمبراطورة المبجلة :
عندما انتهت الملكة من تناول طعامها خرجت لإلقاء خطابها اليومي على جموع النمل ، لتزويدهم بالحماس ومناقشة وتوزيع أعمال اليوم ، وتصفية الخلافات بين المتخاصمين ، إنها بمثابة الإمبراطورة المبجلة التي ينحني لها الجميع بإرادتهم ، وليس رغمًا عنهم فهي تمثلهم جميعًا ، وتحافظ على بيوتهم ولا تأخذ قرارًا بعشوائية ، بل تستشير المختصين بشئون الحرب وبفضلها أصبحوا في مكانة مرموقة ، بين جميع طوائف النمل ويحسب الكل لهم ألف حساب .تأمين المستعمرة :
لكن هذه الأيام الأوضاع غير مستقرة ، وخصوصًا بعد القضاء على الغابة المجاورة لقريتهم ، فمنذ قام البشر بتدميرها وأخذ أخشابها ، وقتل ما بها من حيوانات والحراس يعانون الأمرين ، لحفظ أمن قريتهم المدفونة تحت التراب محاولين باستماتة الحفاظ على كينونتهم ، لكن المتطفلين يظهروا من وقت لآخر ولا بد من أخذ الحيطة وتأمين المستعمرة جيدًا .الحرب على الأبواب :
حينما وقفت أمامهم قاموا بالتصفيق ترحيبًا بها ، لكنها أشارت بيدها ليكفوا عن ذلك فلا خير من مضيعة الوقت الثمين ، ولما سكت جميع قاطني القرية قالت لهم : أيها النمل أنتم أمل اليوم والغد ، من دونكم لا نحيا ، لن يكون لنا وجود في هذا العالم الغريب ، والحرب على الأبواب ونحتاج العون من كل فرد منكم .حكيم المستعمرة :
رفع حكيم المستعمرة يده للسماح له بالتعليق ، ولكن الملكة رفضت فلا وقت كما قالت وحان وقت العمل ، وتنظيم طوابير جمع الحبوب والأقوات وإعداد المزيد من الخنادق لحفظها ، كما أن الصغار على وشك الخروج من ثباتها ، ويجب التحرك فورًا .طوال الوقت :
انصرف الحشد بانتظام كل لعمله ، مستعدين لمواجهة الأخطار اليومية ، فلا يمر يوم واحد دون خسائر ، وطبعًا لصغر حجمنا نموت بالمئات في وطأة قدم واحدة ، ظلت الملكة تجوب بداخل المستعمرة بنفسها ، دون إسناد ذلك لأحد وفي تلك الأثناء تبعها حكيم المستعمرة عاقدًا يده خلف ظهره ، وقد بدى عليه الانشغال ، وذلك بفضل انتفاض قرون استشعاره وتأرجحها طوال الوقت .الثورة والفوضى :
نظرت إليه الملكة وقالت له مازحة: ما بك أيها الحكيم الأطول عمرًا في كل الذكور؟ فك الحكيم وضع يده وقام بحك قرونه ،  قائلًا : يشغلني أمر في غاية الأهمية يا مولاتي ، وما هو يا حكيم : عمال المستعمرة يهمسون منذ الصباح ، وأخشى أن يقع ما لا يحمد عقباه ، ماذا أي شيء تقصد ، أفصح عما تعرفه وبسرعة !لقد ترامى لسمعي بضع كلمات قد تؤدي إلى حدوث فوضى ، ومن ثم تحدث الثورة فالعمال لا يرتاحون ، وما يقدم لهم من طعام لا يكفي بما يقومون به ، من مجهود يحفظ لهم طاقتهم .الإرادة الفولاذية للبشر :
أنت تتحدث عن ثورة هذه الكلمة لا توجد بقاموس مملكة النمل ، بل يستخدمها البشر فيما بينهم فلا تقلق من شيء ، ولكن يا مولاتي ، أرح عقلك وتفكيرك فيما يفيد أيها الحكيم ، يبدو عليك الإرهاق فلقد أبطأت في السير ، وأنا أريد الاطمئنان على كل جزء من قريتنا ، فهيا أسرع ولا تكن كسولًا حتى لا تصبح محط سخرية للنمل ، لا نريد أن يراك أحد هكذا ، فنحن من أنشط مخلوقات الله ، ونحمده على تكريمه لنا بذلك بأن جعل بداخلنا أهبة العمل ، وإنجازه أقوى من الإرادة الفولاذية للبشر أنفسهم .النبي سليمان الحكيم :
ولا يستهان بنا وبجيشنا فالنبي سليمان الحكيم ، احترم أجدادنا ، وأبعد جيشه الكبير عن دربهم حماية لهم ، عذرًا يا مولاتي فالشيب تملكني والموت جفاني كأنني لست أنتمي لمخلوقات الله ، حتى السهر الذي يهد الجسد ، لم ينل مني في شئ فلتدعي الله ، أن يتغمدني برحمته ويقبض روحي لألحق بأقراني في جنات النعيم الأبدي !.الإخلاص :
لا تقلل من شأنك هكذا فأنت ناصحنا وأعقلنا جميعًا بالمستعمرة ، ولن نتخيل أنفسنا بدونك نحن نقدرك حق التقدير،  ولا تقلق لقد أعطيت أوامري من قبل لتحنيط جثمانك بعد موتك ، ليتذكرك جميع أفراد القرية ويحذون حذوك في الإخلاص لقومك وبني جنسك .تغيير طريق السير :
وأثناء حديثهما معًا أقبل أحد قادة الحرس مسرعًا لتبليغ الملكة باقتراب أحد الأعداء من الطيور الجارحة ، ويجب الاستعداد لغلق منافذ القرية وتنبيه العمال بالخارج لعمل اللازم ، أعطته الملكة أوامرها بإعادة العمال أولًا بكل السبل المتاحة ، ثم غلق المنفذ بعدها إذا فشلوا في ذلك يجب إعطاء الأوامر ، بتشتيت انتباه العدو عن طريق السير اللولبي عبر الجذور القديمة الميتة ، أو أوراق الشجر الجافة التي أصفر لونها ، وليموتوا بشرف الدفاع والتضحية من أجل إخوانهم .مرحبًا بالموت :
أكد لها القائد التنفيذ وبكل دقة منحنيًا نصف انحناءة ، وهو يردد: تحيا مولاتي الملكة لنا، وأنصرف مبتعدًا بخطى واثقًا ومرحبًا بالموت ، من أجل وطنه وشعبه ، قال الحكيم مزهوًا بما رآه نعم الملكات أنت يا مولاتي ، أنت أملنا في الحياة ولولا عزيمتك على المضي قدمًا وتعاملك مع المشكلات بمثابة الجنرال المحنك والقائد المغوار لدفنا هنا إلى الأبد ، لتتغذى الديدان علينا وتحللنا لنندمج مع ما أندثر وهلك من الغابة .فخر الأجيال القادمة :
أنت حقًا فخر لكل الأجيال القادمة ، وليبارك لنا الله في عمرك ، ابتسمت الملكة بكل رقة وحنان وهي تلاطف بيديها أحد الصغار، قائلة: لا داع لكل ذلك المهم أن نتقص أخبار العمال بالخارج ، وما هي العقبات التي تواجههم الآن ، فأنت تعلم على الرغم من شجاعتنا ، وحبنا للمغامرة من أجل فتات لقمة عيش ، أو بقايا أوراق شجر متساقطة ، أو حتى طائر ميت حديثًا .معركة الطائر :
إلا أنه يموت منا الآلاف في لحظة عابرة ، مثل طيف ظهر فجأة ثم اختفى وأنت تعلم أيضًا أن أعمار الذكور قصيرة ، ونحن نحتاج لكل فرد من أفرادنا حاليًا للخروج من الأزمة ، رد عليها الحكيم ليظهر لها معاونته قائلًا: وأنا أيضًا رهن إشارتك يا مولاتي ، فيما تطلبين وما تسندين إلي من أعمال ، وبينما هما يتحدثان ويتفقدان كل شبر من المستعمرة النملية ، جاءها القائد مرة أخرى ولكن هذه المرة تختلف عن سابقتها .جاء مسرعًا نحو الملكة ومنحنيًا وقال: مولاتي المعظمة والمبجلة إننا ربحنا معركة الطائر، بدون خسائر تذكر بل أن الحظ كان حليفنا ، لقد كان ذلك الطائر جريحًا وأنهكه التعب وهد كيانه .النشوى بالانتصار :
فسار يتخبط في طريقه حتى اقترب من جنودنا ، فسقط وحينما فحصناه وجدناه ينازع الموت ، وانتهزنا اللحظة المناسبة للانقضاض عليه ويتم الآن جلب ما نريده من طعام لتخزينه ، وبذلك نكون وفرنا على أنفسنا عناء البحث عن أقواتنا ، طيلة الشهرين التاليين ونستعد لمواجهة الشتاء ، بصدر تملأه النشوى بالانتصار .فرحة الملكة :
هنأت الملكة قائد جيشها ، وأبلغته بفرحها ووعدت قومها بزيادة حصة كل منهم من المخزون ، إذا سارعوا بجلب الضحية قبل أن تتعفن ، التفت إلى الحكيم قائلة: أترى ، أي من مخلوقات الله على أرضه يستفيد من الحي والميت غيرنا ، من الذي يعمل طوال الصيف ، ويخزن قوته حتى يحين الشتاء ، من الذي يحفر تحت الأنقاض وداخل الأشجار وتحت التراب لحماية شعبه ورعيته من الأعداء غيرنا من الذي يحذر أقرانه إذا وقع في شرك أو أختنق ببركة ماء سوانا .دبيب النملة :
نحن معشر النمل نفخر بأننا مخلوقات ضعيفة جسمانيًا ، بجانب آخرين عمالقة وجبابرة ، لكننا في البأس والشدة والإنجاز أعتى من الجبال الراسخة كالأوتاد ، فكم من ضعيف زان قومه وعشيرته بعقله ، وتدبيره وحكمته وكم من قوي صلب البنيان كان عار على فصيلته وإخوانه لغدره بهم .نعم إننا مخلصون مدافعون معاونون بعضنا البعض ، ولم يحدث أن خانت نملة أختها أو أوشت بها أو قتلتها ظلمًا ، أو اعتدت على عرضها أو أموالها ، أو حتى على احتكار رأيها فكلنا بمثابة نملة واحدة ، ولا ننكسر مهما عصف بنا الزمن ومهما كثرت ، وتطاولت علينا الشدائد .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك