لقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم دعوة وهداية للخلق أجمعين ، فكان ممن أمنوا بالله واتبعوا الرسول صلّ الله عليه وسلم بعد حرب وكبر هو خالد بن الوليد سيف الله المسلول ، والذي سله الله على عباده المشركين ، فما نزل بهم إلى ساحات الحروب ، إلا وكبدهم أكبر الخسائر ، وفي معركة من معارك المسلمين ، وهي معركة اليرموك التي كانت بين الروم والمسلمين حدث حوار غريب ، كان سبب في إسلام واحد من قادة الروم .وقد سميت هذه المعركة باسم اليرموك نسبة إلى الوادي التي وقعت فيه ، واليرموك نهر ينبع من جبال حوران ، ويجري قرب الحدود التي تفصل بين سوريا وفلسطين ، وينتهي مصبه في جنوب الحولة ، وقبل أن يلتقي بنهر الأردن بمسافة تتراوح بين ثلاثين وأربعين كيلو متراً يوجد وادٍ فسيح تحيطه مجموعة من الجبال شاهقة الارتفاع من ثلاث جهات .ويقع في الجهة اليسرى لنهر اليرموك ، وهو نفسه الوادي الذي دارت به المعركة ، والتي وقعت في عهد أبو بكر الصديق ، لكنه مات أثناءها ، وتولى الخلافة من بعده عمر بن الخطاب ، وأدار القتال من دار خلافته .أما عن قصة إسلام القائد البيزنطي جورج تيودور والملقب بجرجه ، فقد كان هذا الرجل يتحدث العربية بطلاقة ، فخرج إلى المنطقة الفاصلة بين صفوف الروم والمسلمين ، وطلب منازلة خالد بن الوليد ، فتقدم خالد ، ولكن قبل المنازلة دار بينهما هذا الحوار الذي رواه الطبرى :روى ابن جرير الطبري رحمه الله : وخرج جرجة حتى كان بين الصفين ، ونادى ليخرج إلي خالد فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه ، فوافقه بين الصفين ، حتى اختلفت أعناق دابتيهما وقد أمن أحدهما صاحبه ، فقال جرجة : يا خالد أصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب ، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله ، هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاه لك فلا تسله على قوم إلا هزمتهم؟قال خالد رضي الله عنه : لا ، قال جرجة : فبِمَ سُمِّيت سيف الله ؟ ، قال خالد رضي الله عنه : إن الله عزوجل بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعاً ، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه وبعضنا باعده وكذبه ، فكنت فيمن كذبه وباعده وقاتله ، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به فتابعناه ، فقال صلّ الله عليه وسلم : « أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين »، ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله ، بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين.قال جرجة : صدقتني ، ثم أعاد عليه جرجة : يا خالد أخبرني إلامَ تدعوني ؟ ، قال خالد رضي الله عنه : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، فقال جرجة : فمن لم يجبكم ؟ ، فقال خالد رضي الله عنه : فالجزية ونمنعهم.فقال جرجة : فإن لم يعطها ؟ ، قال خالد رضي الله عنه : نؤذنه بحرب ثم نقاتل ، فقال جرجة : فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الأمر اليوم؟ ، قال خالد رضي الله عنه : منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا.ثم أعاد عليه جرجة : هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل مالكم من الأجر والذخر ؟ ، قال خالد : نعم وأفضل ، قال جرجة : وكيف يساويكم وقد سبقتموه ؟ ، قال خالد رضي الله عنه : إنا دخلنا في هذا الأمر ، وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا ، تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب ، ويرينا الآيات ، وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع ، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا ، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج ، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا.قال جرجة : بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تؤلفني ؟ ، قال خالد رضي الله عنه : بالله لقد صدقتك ، وما بي إليك ولا إلى أحد منكم وحشة وإن الله لولي ما سألت عنه ، فقال جرجة : صدقتني ، وقلب الترس ومال مع خالد ، وقال علمني الإسلام .فمالَ به خالد إلى فسطاطه فشن عليه قربة من ماء ثم صلى ركعتين ، وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد وهم يرون أنها منه حملة فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية عليهم ، عكرمة ، والحارث بن هشام ، وركب خالد ومعه جرجة والروم خلال المسلمين فتنادى الناس فثابوا.وتراجعت الروم إلى مواقفهم فزحف بهم خالد حتى تصافحوا بالسيوف ، فضرب فيهم خالد ، وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب ، ثم أصيب جرجة ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما ، (تاريخ الأمم والرسل والملوك ، ابن جرير الطبري، ج3، (ص:398–400)وهنا أدرك القائد البيزنطي سماحة الإسلام ، وفتح الله قلبه للدخول فيه ، وقد كان لردود بن الوليد أكبر الأثر في اقناع القائد البيزنطي ، والذي عاد مع جيش المسلمين لمحاربة الروم بعد أن كان واحدًا من كتائبهم.