هو من أعلام التابعين ، وأحدُ الثمانيَة الذين اُشتهر عنهم الزهد في عصره ، عُرِفَ عنه أصله العربي ، كما عُرِفَ عنه التقاؤه مع رسول الله صلَّ الله عليه وسلم في جدَّيْه ، نبت منذ صِغَر سنِّه في طاعة الله وتقواه ، وكثيرًا ما كانت أمه تنام في الليل وعندما تصْحو تجده سابحًا في مناجاة الله سبحانه وتعالى ، مُستغرقًا في الصلاة لله طوال الليل .فمن هو ذاك التابعي الذي حَزِنَ الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود عليه أنه لم يكن في زمن الرسول صلَّ الله عليه وسلم وحظى بصحبته ؟! إنه التابعي الربيع بن خثيمنشأته :
تتلمذ على يد الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، وكان شديد التعلق بأستاذه فكانا كما الأب وولده الوحيد ، فها هو نراه يدخل عليه من غير إذن ولا يقطع عليهما حديثهما أحدًا أبدًا .وكان الأستاذ يرى في تلميذه ما يميزه عنده من صفاء النفس ، وإخلاص القلب ، وإحسان العبادة ، وهو ما كان يملأ قلبه بالآسى عليه أنه لم يدرك عصر النبي صلَّ الله عليه وسلم ، ولم يكن الصحابي الجليل رضي الله عنه مغاليًا في حديثه حين قال له يا أبا يزيد لو رآك النبي صلَّ الله عليه وسلم لأحبك ؛ فقد بلغ تلميذه من الخشية ، والتقى ، والورع منزلًا عظيمًا قلَّما وصل إليه أحد من طبقته .ومما يُروى في تقوى التابعي الجليل ما رواه لنا الصحابة في صُحبته له عشرين عامًا أنهم ما سَمِعَوا منه إلا الكلام الطيب ، وأنه كان يقول : كل ما لا يُراد به وجه الله يضمحل .وأيضًا ما يرويه أحد الصحابة حين بات في إحدى الليالي في بيته فيقول : عندما أيقن أنني دخلت في النوم ، قام يصلي فقرأ قوله تعالى { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } سورة الجاثية الآية 21 ، فمكث ليلته يصلي بها ، يبدؤها ويعيدها حتى طلع عليه الفجر .روايته :
روى التابعي الجليل عن أبي أيوب الأنصاري وعبدالله بن مسعود وعمرو بن ميمون ، كما حدَّث عنه هلال بن يساف ، والشعبي ، ومنذر الثوري ، وإبراهيم النخعي وغيرهم الكثير ممن كانوا يعدُّونه من عقلاء الرجال .ومضة من حياة التابعي :
دخل عليه يومًا ابنه قائلًا له : يا أبتِ إن أمي قد قامت بصنع خبيصًا لك وجوَّدته ، وإنه ليَجبُر قلبها أن تتناول منه ، فقال له : هاتِه ، فما كان من الصبي إلا أن ذهب لإحضاره ، وما كاد يصل به لأبيه حتى دخل عليهم رجل كهل ممزق الثياب قد سال لعابه ، وبدا عليه أنه معتوه.وعندما عاد الابن بالطعام طلب منه التابعي أن يعطيه للرجل الكهل ؛ فما كان من الرجل إلا أن بدأ في التهام الطعام بسرعة شديدة ، فما زال يأكل حتى أتى على الطعام بأكمله ، فقال له الابن : رحمك الله يا أبي كنَّا نشتهي أن تأكل من الطعام الذي تكفَّلت أمي بصنعه لك ، وأطعمته لذلك الرجل الذي لا يدري ماذا أكل .فما كان من الأب الحكيم إلا أن قال : إذا كان هو لا يدري ما أكل فإن الله يعلم ، ثم تلا قوله تعالى : {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } سورة آل عمران الآية 92.وظل رحمه الله حياته كلها يترقب الموت ، ويستعد كل الاستعداد للقائه ، ولمَّا احتضر بدأت ابنته في البكاء ؛ فقال لها : ما يُبكيك يا بُنَيَّة وقد أقبل على أبيك الخير ؟ ، ثم أسلم روحه إلى بارئها .