ولدت السيدة نفيسة رضي الله عنها ، في مكة المكرمة من العام مائة خمسة وأربعين هجرية ، وظلت فيها حتى بلغت خمسة أعوام من عمرها .أتمت السيدة نفيسة حفظ كتاب الله الكريم ، عند بلوغها الثامنة من عمرها ، أخذها والدها وانطلقوا صوب المدينة المنورة برفقة أمها زينب بنت الحسن ، حيث تلقت السيدة نفيسة العلم من أهله في المسجد النبوي ، ولهذا الأمر لُقّبت بنفيسة العلم قبل بلوغها سن الزواج ، وكانت السيدة نفيسة قد حجت بيت الله ، لأكثر من ثلاثين مرة كان أكثرها مشيًا ، وكان شقيقها القاسم رجلاً صالحًا محبًا للخير وأحد الزهّاد ، وتقيّ للغاية.زواج السيدة نفيسة :
تزوجت السيدة نفيسة رضي الله عنها ، من إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق رضي الله عنه ، وكان زوجها إسحاق مشهود له بالصلاح ، وبهذا الزواج اجتمع نسل الحسن والحسين ، فالسيدة نفيسة حفيدة الإمام الحسن ، بينما زوجها حفيد للإمام الحسين ، وبهذا صارت السيدة نفيسة كريمة الدارين ، ثم أنجبت طفلين هما القاسم وأم كلثوم .زهد السيدة نفيسة :
كانت السيدة نفيسة زاهدة للغاية ، وكانت تقضي أغلب وقتها في المسجد ، حيث كان لا يشغلها من أمور الدنيا شيء ، ولا تجد أمام عينيها سوى الآخرة ، فأرادت أن تفوز بحسن الختام والمغفرة ، حتى أنه قد حفرت قبرها ، وظلت تذهب إليه وتجلس فيه ، حتى أنها قد ختمت القرآن حوالي مائة وتسعون مرة ، وهي تجلس باكية بكاء شديدًا داخل قبرها هذا .وكانت ابنة شقيقها الوحيد يحيي تدعى زينب ، والتي انقطعت لخدمة عمتها السيدة نفيسة ، فقالت عنها بأنها لم تكن تنام بالليل ، ولم تفطر سوى العيدين وأيام التشريق ، وكانت تقرأ القرآن وتحفظه وتفسره ، وظلت على هذا الحل طوال أربعين ليلة ، حتى أن زينب قد سألتها أن ترفق بحالها ، فبكت السيدة نفيسة بشدة وقالت كيف أرفق بنفسي ، وأمامي عقبات لا تزول ولا تنقطع سوى للفائزين .قدر السيدة نفيسة عند الأمراء :
كان أعوان أحد الأمراء قد ألقوا القبض على رجل من العامة ، وأوسعوه ضربًا وعذبوه ، ولما قيدوه واقتادوه نحو قصر الأمير ، فإذا بهم يمرون بمنزل السيدة نفسية ، فصاح الرجل مستغيثًا بها وسألها أن تدع له ، فخرجت إليه السيدة نفيسة ودعت له مخلصة ألا تبصره أعين الظالمين ، فلما بلغوا طريقهم إلى الأمير وعلم بما صار في الطريق إليه ، قال أوبلغ منيس الظلم هذا الحد يا رب ؟ ، وقام بعتق الرجل ، ثم جمع ماله وتصدق به على المساكين والفقراء والمحتاجين .وفاة السيدة نفيسة :
سقطت السيدة نفيسة رضي الله عنها ، فريسة للمرض في عام مائتين وثمانية من الهجرة ، واشتد عليها المرض كثيرًا وتمكّن منها حتى حلول شهر رمضان المبارك ، فبلغ المرض والداء مبلغه منها ، فقعدت في تلك الفترة عن الحركة .فلما حضر الطبيب إليها وفحصها نصحها بأن تفطر ، فتمتمت متعجبة بأنها ظلت طوال ثلاثين عامًا ، تدع الله وتتوسل إليه أن تلقاه وهي صائمة ، وسألته متعجبة فهل أفطر الآن ؟ ورفضت أن تنفذ ما أوصاها به الطبيب .ثم ظلت تقرأ خاشعة من سورة الأنعام ، حتى بلغت الآية مائة وسبعة وعشرون من السورة ، عند قول الله تعالى ؛ {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} حتى فقدت وعيها ، فضمتها زينب ابنة أخيها إلى صدرها ، ولقّنتها الشهادتين ثم صعدت روحها إلى بارئها .