انتظر المسلمون أكثر من ثمانية قرون حتى تحققت بشارة النبي صلّ الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية ، فقد قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش .أسس مدينة القسطنطينية الإمبراطور الروماني قسطنطين الأكبر ، واختارها لتكون عاصمة للدولة الرومانية وليصعب الوصول إليها ، وظلت القسطنطينية عاصمة للدولة البيزنطية نحو ألف عام وكانت من المراكز الثقافية ورمز من رموز الحضارة ، امتلأت بالميادين الواسعة والحصون المنيعة والكنائس الكبيرة .محاولات المسلمين الأولى لفتح القسطنطينية :
بدأت المحاولات الأولى والجادة في عهد معاوية بن أبي سفيان ، ارسل حملتين الأولى عام 49هـ والأخرى عام 54هـ ولكنهم لم يتمكنوا من فتح المدينة العتيدة ، وتم ارسال حملة أخرى في عهد سلمان بن عبد الملك عام 99هـ ، وعادوا مرة أخرى في عهد مسلمة بن عبد الملك ، ثم انصرف المسلمون بعد قيام الدولة العباسية عن محاولاتهم إلى أن ظهر الأتراك العثمانيون وحاصروها في عهد بايزيد الأول ، ثم في عهد مراد الثاني ثم جاء الفتح على يد محمد الفاتح عام 1453م .أدرك السلطان الفاتح أو وجود دويلة تجارية يونانية على شكل جيب داخل الإمبراطورية العثمانية أمر لا يصلح مع العصر ، ويعرقل الموصلات وعمليات نقل القوات ، وكان حلم الاستيلاء على الإمبراطورية الرومانية وتحويل الدولة العثمانية لإمبراطورية يراود الباب العالي العثماني منذ حكم بايزيد الأول .أراد الفاتح الحصول أن يحصن مضيق البوسفور حتى لا يأتي لها مدد من مملكة طرابزون ، فأقام قلعة على شاطئ المضيق من جهة أوروبا تكون مقابلة للحصن الذي أنشاه بايزيد الأول على ضفة البوسفور من الناحية الآسيوية ، وجلب للقلعة العمال وأدوات البناء وأشترك معهم في البناء ، وبدأ البناء في الارتفاع ، وتم بناء القلعة في ثلاثة أشهر ، على هيئة مثلث سميك الجدران وفي كل زاوية برج ضخم مغطى بالرصاص .أمر الفاتح بنصب المجانيق والمدافع الضخمة لتصب أفواهها إلى الشاطئ ، لكي تمنع السفن الرومانية من المرور ، وتم تسمية القلعة باسم رومللي حصار ، وبدأ الرومان في محاولة هدم القلعة ، فأعلن الحرب رسميًا على الدولة البيزنطية ، فاعتقل السلطان الروماني جميع العثمانيون وأرسل رسالة للفاتح يخبره أنه سيدافع عن المدينة لأخر قطره في دمه .سيطرت فكرة الفتح على عقل السلطان محمد وبدأ يخطط ، وساقت له الأقدار المهندس المجري أوربان الذي عرض عليه أن يصنع له مدفعًا يقذف قذائف هائلة ، ولم تنقضي ثلاثة أشهر إلا وصنع المدفع كان يزن حوالي 700 طن ويرمي بقذائف وزن الواحدة 12 ألف رطل ، ويحتاج المدفع لـ100 ثور لكي يجروه ، وتم تجريب المدفع ، وسمعت أول قذيفة على بعد 13 ميل .تحولت القسطنطينية لحصار منيع فقد حباتها الطبيعة فيحدها من الشرق مياه البوسفور ، ومن الغرب والجنوب بحر مرمرة وترتفع أسوراها العالية و كل برج نحو مائة وثمانين قدم ، أما السور الخارجي فيبلغ ارتفاعه خمسة وعشرين قدم .وصل السلطان الفاتح بجيشه أمام الأسوار الغريبة المتصلة بقارة أوروبا يوم 12 رمضان عام 805هـ ، الموافق 5 إبريل 1453م ، ونصب السرادقه ومركز قيادته أمام باب القديس رومانويس ونصب المدافق قوية المدى ، ثم اتجه إلى القبله وصلى ركعتين وصلى الجيش كله وبدأ الحصار الفعلي ، ووضع الفرق الأناضولية ، ووضع الفرق الأوربية عن يساره حتى القرن الذهبي ، ووضع الحرس السلطاني الذي يضم 15 ألفا من الجنود الانكشارية في الوسط .وتحرك الأسطول العثماني وهو يضم نحو 350 سفينة في مدينة جاليبولي وعبر بحر مرمرة ، وهكذا طوقت القسطنطينية من البر والبحر بقوات عددها 265 ألف جندي مقاتل ، وطلب السلطان الفاتح من قسطنطين أن يسلم المدنية وتعهد باحترام أهلها ولكنه رفض معتمدًا على الحصون .وبدأت المدافع العثمانية تقذف قذائفها الهائلة على السور ليل نهار بصورة متواصلة ، وكانت القوات العثمانية تهاجم من البر ، وكانت المدينة تتلقى بعض المؤن من صقيلة ، ثم اهتدى الفاتح لخطة اقتضت أن ينقل جزءًا من أسطوله بطريق البر من منطقة غلطة لداخل الخليج ، وكان العمل معجزة بكل المقاييس الحربية .وفي فجر يوم الثلاثاء 20 جمادى الأول 857هـ الموافق 29 مايو 1453م ، كان الفاتح قد أعد أهبته الأخيرة ووزع قواته وحشد 100 ألف مقاتل أمام الباب الذهبي وفي الميسرة نحو 50 ألف مقاتل ، و في قلب الجيش الجنود الإنكشارية ، وفي الميناء 70 سفينة وبدا الهجوم برًا وبحرًا ، واشتد لهيب المعركة ، ونجح الأسطول العثماني برفع السلاسل الحديدية الي وضعت في مدخل الخليج ، وتدفق العثمانيون إلى المدينة ، وهكذا سقطت المدينة وتحقق النصر .ثم أصبح القسطنطينية بعد ذلك قاعدة للأعمال العسكرية في الشرق والغرب ، وامتد النفوذ الإسلامي إلى شواطئ البحر الأسود ، روسيا حاليا والمجر واليونان وسواحل البحر الأدرياتيكي الشرقية ، وشرقي البحر الأبيض المتوسط .