إن الله سبحانه وتعالى يحفظ الودائع لأهلها ، فاستودعوه ما أحببتم ، وقد حدث في ذلك قصة وقعت في عهد سيدنا عمر بن الخطاب فبينما هو جالس رأى رجلاً مع ابنه ، وكان الشبه بينهما كبيرًا جدًا ، مما جعل سيدنا عمر رضي الله عنه يقول ما رأيت ولدا أشبه بأبيه كما رأيت هذا الولد ، فقال الرجل والله يا أمير المؤمنين لقد ولدته أمه وهي ميتة ، فتعجب سيدنا عمر رضي الله عنه واستوى في جلسته ليسمع قصة ذلك الولد.فقال الرجل : حينما دبت الحرب وتم استدعائي في غزوة من الغزوات كان امرأتي حامل ، فقلت قبل أن أخرج أستودع الله ما في بطنك ، فلما عدت من الحرب أخبروني أن زوجتي قد ماتت ، فذهبت إلى قبرها أبكي ، ولما جاء الليل جلست مع ابن عم لي أتحدث.فإذا بنار تستعر من بين القبور ، فقلت لابن عمي ما هذه النار ، وعلمت من القوم أنها عند قبر زوجتي ، فقالت إنا لله وإنا إليه راجعون كيف هذا ؟ لقد كانت صوامة قوامة مسلمة عفيفة اللسان ، وأخذت فأسا لأتبين ما في القبر ، فإذا بالقبر مفتوح يدب فيه الطفل حول أمه الميتة.وسمعت مناد يناديني قائلًا : يا من استودعت ربك خذ وديعتك أما لو استودعت أمه لوجدتها فأخذته ، وبعدها أغلق القبر عليها ، وقد كانت هذه النار إشارة لأصل بها إلى وديعتى .قال الترمذي في نوادر الأصول : حدثنا عبيد بن إسحاق العطار الكوفي قال : حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهم ـ قال : حدثني زيد بن أسلم عن أبيه قال : بينما عمر ـ رضي الله عنه ـ يعرض الناس إذا هو برجل معه ابنه فقال له عمر ويحك حدثني ما رأيت غراباً بغراب أشبه بهذا منك .قال: أما والله يا أمير المؤمنين ما ولدته أمه إلا ميتة ، فاستوى له عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال ويحك حدثني، قال : خرجت في غزاة وأمه حامل به فقالت تخرج وتدعني على هذا الحال حاملاً مثقلاً قلت أستودع الله ما في بطنك ، قال : فغبت ثم قدمت فإذا بابي مغلق قلت فلانة قالوا ماتت فذهبت إلى قبرها أبكي.فلما كان من الليل قعدت مع بني عمي أتحدث وليس يسترنا من البقيع شيء فرفعت لي نار بين القبور فقلت لبني عمي ما هذه النار فتفرقوا عني فأتيت أقربهم مني فسألته فقال : نرى على قبر فلانة كل ليلة ناراً فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون .أما والله إن كانت لصوامة قوامة عفيفة مسلمة انطلق بنا فأخذت فأساً فإذا القبر منفرج وهي جالسة وهذا يدب حولها ، وناداني مناد من السماء أيها المستودع ربه وديعته خذ وديعتك أما لو استودعت أمه لوجدتها فأخذته وعاد القبر كما كان فهو والله هذا يا أمير المؤمنينقال عبيد : فحدثت بهذا الحديث محمد بن إبراهيم العمري فقال : هذا والله الحق وقد سمعت عم أبي عاصم يذكره وقال : ورأيت ابن ابن هذا الرجل بالكوفة وقال لي موالينا هو هذا .