اسمه عمير بن سعد بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه ، أسلم وهو لا يزال غلامًا وقد كان شديد التقوى والعبادة لله سبحانه وتعالى ، فقد كان دائمًا في الصفوف الأولى عند الصلاة أو الجهاد ، أما أبيه فهو الصحابي الجليل سعد القارئ رضي الله عنه .كان عمير رضي الله عنه هادئ الطبع لا يسمع عنه أحد شيئًا ولا يظهر بين الناس إلى قليلًا وبرغم ذلك أحبه الصحابة وأحبوا مجلسة ، وعندما كان غلامًا تزوجت أمه من الجلاس بن سويد ، وكان يعامله الجلاس وكأنه ابنه وينفق عليه .وذات يوم سمعه عمير بن سعد يقول عن النبي محمد صّل الله عليه وسلم : إن كان محمد حقًا لنحن شر من الحمير ، وقتها غضب عمير من هذا القول وأستنكره وقال له : والله يا جلاس إنك لمن أحب الناس إلي وأحسنهم عندي يدًا، وأعزهم علي أن يصيبه شيء يكرهه ، ولقد قلت الآن مقالة لو أذعتها عنك لآذتك ، ولو صمت عليها ليهلكن ديني ، وإن حق الدين لأولى بالوفاء ، وإني مبلغ رسول الله ما قلت .وطلب منه الجلاس قائلًا : اكتمها علي يا بني ولكن عمير رفض هذا الطلب وقال : لا والله. وذهب إلى رسول الله صّل الله عليه وسلم وهو يقول : لأبلغن رسول الله قبل أن ينزل الوحي يشركني في إثمك.وعندما ذهب عمير رضي الله عنه إلى رسول الله صّل الله عليه وسلم وحدثه عما قاله الجلاس بن سويد ، فقام الرسول صّل الله عليه والسلام بطلب حضور جلاس إليه حتى يتحقق من الأمر ، ووقتها أنكر الجلاس ما قاله عمير وحلف بالله أن ما قيل كذب .فأنزل الله آيات تؤكد حديث الغلام حيث قال الله تعالى في سورة التوبة : { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ۚ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ۖ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿٧٤﴾ } صدق الله العظيم .وقتها اعترف الجلاس بما حدث وتاب عما فعل وحسن إسلامه ولم يسمع منه عمير رضي الله عنه أى شيئًا مرة أخرى ، وفي وقت تولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة أخذ يرتب أمور الخلافة ويختار الأمراء والولاه وفقًا لدستوره الذي أعلن عنه قائلًا : أريد رجلاً إذا كان في القوم ، وليس أميرًا عليهم بدا وكأنه أميرهم ، وإذا كان فيهم وهو عليهم أمير ، بدا وكأنه واحد منهم ، أريد واليًا لا يميز نفسه على الناس في ملبس ، ولا في مطعم ، ولا في مسكن ، يقيم فيهم الصلاة ، ويقسم بينهم بالحق ، ويحكم فيهم بالعدل ، ولا يغلق بابه دون حوائجهم .ولذلك قد اختار عمر بن الخطاب أن يكون عمير بن سعد رضي الله عنه واليًا على حمص ، وبعد محاولات كثير لعمير أن يعتذر عن ذلك ، رفض عمر بن الخطاب وألزمة بالولاية .وبالفعل ذهب عمير رضي الله عنه إلى حمص ، ولكنه لم يرسل برسالة واحده إلى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه طوال سنة كاملة ، فتعجب الفاروق من هذا الأمر وأرسل إلى عمير بن سعد أن ياتي إليه ويتحقق من أمره ، فجاء عمير بن سعد إلى الفاروق عمر وهو في حالة تعب شديد متكًأ على عصاه .فتحدث إلى الفاروق عمر بن الخطاب وألقى عليه تحية الإسلام فقال له الفاروق : ما شأنك يا عمير ؟ ، فرد عمير : شأني ما ترى ، ألست تراني صحيح البدن ، طاهر الدم ، معي الدنيا فقال عمر : وما معك ؟ ، قال عمير : معي جرابي أحمل فيه زادي ، وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي ، وإدارتي أحمل فيها وضوئي وشرابي ، وعصاي أتوكأ عليها ، وأجاهد بها عدوًا إن عَرَض ، فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي ، فسأله عمر : أجئت ماشيًا قال عمير : نعم .فقال عمر : أولم تجد من يعطيك دابة تركبها ؟ ، فقال عمير : إنهم لم يفعلوا ، وإني لم أسألهم ، فقال عمر : فماذا عملت فيما عهدنا إليك به ؟ ، قال عمير : أتيت البلد الذي بعثتني إليه ، فجمعت صلحاء أهله ، ووليتهم جباية فيئهم وأموالهم ، حتى إذا جمعوها وضعتها .ولو بقى لك منها شيء لأتيتك به، فقال عمر : فما جئتنا بشيء ؟ ، قال عمير: لا. فشعر عمر بن الخطاب بالفخر والسعادة وقال : جددوا لعمير عهدًا ، ولكن عمير بن سعد رضي الله عنه رفض هذا وقال : تلك أيام خلت ، لا عملت لك ، ولا لأحد بعدك ، وقد ظل عمير بن سعد متواجدًا ببلاد الشام حتى توفى فيها وذلك فى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .