تقص علينا كتب الأدب أن هناك شخصًا اسمه أبو علقمة النحوي ، متقعر في للغة ، يتكلم بالألفاظ الغريبة ، فمن الذي رباه حتى ينزل إلى مستويات الناس في التفاهم؟ رباه خادم له ، أتعبه تقعر أبو علقمة ، وكان لا يفهم عنه كثيرًا من الألفاظ ، فماذا كان منه !تلقين أبا علقمة درسًا :
كان منه أن أبا علقمة استيقظ ليلة ثم نادى الغلام ، فقال : يا غلام أما هذه فقد فهمها الغلام ، ثم قال له : أصعقت العتاريف ؟ مسألة لم يفهمها الخادم ، ولكنه أراد أن يلقن أبا علقمة درسًا يمنعه من هذا التقعر ، ولاسيما بالنسبة إلى خادم لايعرف شيئًا ، فلما قال له : صعقت العتاريف ؟ قال له : زقفليم ، فتعجب أبو علقمة ، لأول مرة يتعجب أبو علقمة من لفظ لغوي !فقال له : يا غلام ، وما زقفليم ، فسر الغلام لأنه أعجز أبو علقمة ، فقال له : ما أصعقت العتاريف ؟ فقال له : أنا أردت يا بني : أصاحت الديكة ؟ ، قال : وأنا أردت : لم تصح .الطبيب وأبا علقمة :
هذا كان أدبيا لأبي علقمة ، ولكن شخصًا آخر أراد أن يبتليه ابتلاء أهم من ذلك في عافيته وهي أعز شيء لديه ، وفي صحته فقد دخل على طبيب يقال له أعين ، وهو يشتكي علة ، فلما ذهب إلى الطبيب لم ينسى تقعره ، والطبيب محدود الثقافة اللغوية ، فقال له : ما بك ؟ ، قال : قد أكلت من لحوم الجوازيء ، فقسأت منها قسأة أصابني منها وجع ، من الوابلة إلى دأية العنق ، ولم يزل ينما حتى حالط الخلب وألمت منه الشراسيف .وقف الطبيب متعجبًا ، فقال له : أعد ، فأعاد ، فماذا فعل الطبيب ؟ عاياه ، عاياه يعني : أتى إليه بألفاظ لا معنى لها في اللغة لكي يحتار فيها أبي علقمة ، لأنه لو أتى له بلفظ مستعمل في اللغة يستطيع أبو علقمة أن يعرفه ، فقال : انه لا يريد سوى ألفاظ ليس لها مدلول ، قال له : أمسك القلم واكتب الوصفة الطبية ، خذ حرقفا وشرقفا وزهرقه ورقرقه واغسله بماء روس واشربه بماء الماء .. قال أبو علقمة : أعد عليّ فوالله ما فهمت شيئًا ، قال : لعن الله أقلنا إفهامًا لصاحبه .المعاني أولاً أم الألفاظ :
إذًا فاللغة بهذه بمثابة ، حتى عندما نستوعب كل ألفاظ اللغة ، إذا جاء للشخص لفظ لم يسبق أن عرف معناه وقف ، مادامت اللغة هكذا ، يجب أن نستنبط أولاً ، هل توجد المعاني أولاً ، ثم توضع لها الألفاظ ؟ أم توجد الألفاظ أولاً ، ثم نخترع لها المعاني ؟ قبل أن يوضع اللفظ لابد أن يكون المعنى متضحًا في الذهن ، حتى لا يوجد معنى متضح في الذهن لا تجد له في اللغة لفظًا ، هذه قضية ، إذًا مادام اللفظ يسبقه المعنى ، فإذا وجدت معان لم تكن موجودة من قبل ، تجتمع المجامع اللغوية ، لكي تقول : نضع لذلك المعنى أي شيء ؟ أي لفظ ؟ ماذا نسمي هذا ؟ المذياع ..المستقبل ، لأنه معنى لم يكن موجودًا .المعاني العدمية :
فالمعاني العدمية التي لا وجود لها ، لا وجود لألفاظ تدل عليها ، فإن وضعوا لفظًا لمعنى عدمي نبهوا عليه ، وقالوا : إن هذا اللفظ وضع للمعاياة ولشيء خرافي ، فيكون معناه أنه شيء خرافي ، كما قالوا : الغول ، فإذا كان الأمر كذلك ، نقول : إذا كان مدلول
الله
أمرًا عدميًا لا وجود له فمن أين دخل لفظ الله على لغة الناس ؟أو من أين دخل اللفظ المقابل للفظ
الله
في سائر لغات الناس ؟ ما دامت الأمور العدمية لا تصل إلى مرتبة أن توجد لها ألفاظ ، وما دامت الألفاظ لا تسبق المعاني ، إذن فوجود تلك الألفاظ في لغات الناس يدل قطعًا على أن معانيها سبقت وجود اللغة ، وأن المعنى الإيماني في وجود الله أمر سابق على أن يكون لنا لغة ، ومادام ذلك اللفظ قد وجد في لغات الناس ، يدل على أن المعنى كان موجودًا ، إذا كان هناك انسجام في أسر الألفاظ حتى المتعارضة ؟ كيف ؟! .الكفر طارئ على الإيمان :
كلمة الكفر نفسها دليل الإيمان ، الكلمة نفسها ، لفظ الكفر دليل على وجود الإيمان ، لأن الكفر ما معناه ؟ الكفر في الأصل معناه الستر! فما هو المستور بالكفر ؟ وجود هذا اللفظ يدل على شيئًا وجد فستر ، فالستر طارئ على شيء موجود ، إذن فمعنى كفروا : أي ستروا شيئًا كان موجودًا ، فالكفر طارئ على الإيمان .تعجب الله في آياته :
ولذلك نجد جوابًا حينما نسأل : لماذا يتعجب الله في قوله تعالى :
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ).. صدق الله العظيم .يعني : قولوا لنا على الطرقة الغريبة التي سولت لكم أن تكفروا بالله ، هذه مسألة عجيبة ، كيف كفرتم بالله ؟ إذا الألفاظ اللغوية تدل على أن معنى لفظ الله ودلالته على واجب الوجود .