أن يهديك الله لتقواه ، ومعرفة دينه ويقودك إليه ، فهذا هو الفوز العظيم ، قد لا تتخيل أن هناك من عاش عمره كله ، لا يعرف عن الله شيئًا قط ، سوى أقل القليل ، وفي لحظة واحدة يرسل الله له ، ما يدفعه لعبادته وتقواه وتوحيده ، ثم يقبضه الله إليه وهو على دينه الحنيف ، هل يمكنك أن تتخيل رجلاً عاش عمره كله لا يعبد الله ، سوى أيامًا قليلة قبيل وفاته ، ثم يقبضه المولى عزوجل ، بعد أن يسلم ويحسن إسلامه ، وفي هذا الأمر قصة رائعة ، سردها ورواها الصالحين ممن سبقونا ، وهم يروون لنا قصة أحد الصالحين الزاهدين ، الذي قاده زهده إلى الله عزوجل .عابد الأصنام على الجزيرة :
روى لنا عبد الواحد بن زيد ، أحد التابعين والصالحين ، أنه كان قد ركب البحر ، برفقة بعض الأصدقاء ، وفي منتصف الطريق ، اشتدت بهم الريح ، وعصف الطقس ، فألقتهم الرياح فوق جزيرة قريبة منهم ، من بين الجزر المترامية في البحر ، فنزل هو ومن معه على متن هذه الجزيرة ، ليكتشفوا بها رجلاً ، جلس وانقطع لعبادة صنم على هذه الجزيرة الخاوية ، فسألوه عما يعبد .ووجدوه يعبد هذا الصنم الذي صنعه لنفسه ، واندهش الرجل عندما سألهم ، عما يعبدون؟ فأجابوه أنهم يعبدون الله ، وحده لا شريك له عز وجل في علاه ، فسألهم الرجل ومن هو الله ؟ فأجابوه ؛ أنه خالق السموات السبع ورب الأرض ورب العرش العظيم ، وأنهم جميعًا بمن فيهم هو ، يعيشون في سلطانه وملكوته ، وهو خالق كل هذا الكون .فسألهم الرجل مرة أخرى كيف علموا هذا الأمر ، فأجابه أحدهم أن الله عزوجل ، قد أرسل إليهم رسولاً ، يدعوهم إلى تقوى الله والإيمان به ، فسألهم عما فعل عقب أن بلغهم تلك الرسالة ، فأجابه أحدهم أن الله قبضه إليه ، فسأل الرجل عن دليل تركه هذا الرسول خلفه ، فأجابه أحد الرجال أنه قد ترك ، كتاب الله الكريم ، يتدبرونه فسألهم الرجل أن يراه .قال عبد الواحد بن زيد ، وهو يستكمل روايته ، بأنهم قد أتوا إلى الرجل بكتاب الله الكريم ، فنظر له الرجل ، وأخبرهم أنه لا يستطيع قراءته ، فقرأ أحدهم عليه شيئًا من كتاب الله الكريم ، فبكى الرجل بكاء شديدًا ، ثم قال لهم أنه ينبغي لمن سمع وقرأ هذا الحديث ، ألا يعصي الله أبدًا ، وأسلم وحسن إسلامه .ثم طلب من الرجال أن يحملوه معهم على متن سفينتهم ، فلبوا طلبه ، ثم حان موعد النوم ، وذهب الجميع ليناموا ، فسألهم الرجل ، هل ينام الله؟ فأجابه أحدهم ، أن الله تعالى حي قيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، فهو مالك هذا الكون كله ، فوثب الرجل وظل قائمًا وهو يردد ، لا ينبغي أن ينام العبد بين يدي سيده ، وظل على هذا الحال حتى أصبح .وبعد أن وصلوا إلى وجهتهم ، نزلوا عن السفينة ، هنا واتت أحد الرجال فكرة ، بأن هذا الرجل حديث العهد بالإسلام ، وأنه قد أتى برفقتهم ولا يملك شيئًا ، فاقترح آخر أن يجمعوا من بعضهم ما يستطيع الرجل ، أن ينفق به على نفسه ، وقاموا بالفعل وجمعوا ما استطاعوا ، وذهبوا يعطوا للرجل ما جمعوه ، فسألهم ما هذا ، فأجابه أحدهم ، أنت حديث العهد بالإسلام ، ولا تملك شيئًا تنفق منه ، فقال لهم الرجل لقد رزقني الله ، ولم أكن أعبده وأنا على متن جزيرة ، في عرض البحر لا أعرف عن الله شيئًا ، والآن وقد عرفته ألا يرزقني؟ وتركهم وذهب .وبعد أيام قليلة أتاهم خبر بأن الرجل ، يُعالَج من المرض وأنه في سكرات الموت ، فذهبوا إليه ووجدوه فعلاً ، يحتضر وفي اللحظات الأخيرة ، فسألته إن كان له حاجة ، فابتسم قائلاً ، قد قضى لي الله حاجتي ، عندما أرسلكم إلي ، فغفى إلى جواره أبو حامد ، فرأى في نومه مقابر عبادان ، وبها روضة جميلة وفيها قبة وتحتها فراش ، وإلى جوارها حورية شديدة الحسن ، وهي تقول عجل به لقد انتظرته كثيرًا ، وإذا به يرى الرجل قد أتى إليها ، وهو في أبهى حُلة ، ويردد الآية الكريمة ؛ (سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ
الرعد الآية:24) .