من لطف الله أن قال عن النفس : إنها أمارة بالسوء ، وفي هذا توضيح كاف لطبيعة عمل النفس ، فهي ليست آمرة بالسوء ، بمعنى أنها تأمر الإنسان لتقع منه المعصية مرة واحدة وينتهي الأمر .لا ، بل انتبه أيها الإنسان إلى حقيقة عمل النفس ، فهي دائمًا أمّارة بالسوء ، وأنت تعلم أن التكليفات الإلهية كلها إمّا أوامره أو نواه ، وقد تستقبل الأوامر كتكليف يشق على نفسك ، وأنت تعلم أن النواهي تمنعك من أفعال قد تكون مرغوبة لك ، لأنها ظاهرها ممتعة ، وتلبي نداء غرائز الإنسان.المعاصي والإسراف على النفس :
ولذلك يقول المصطفى صلّ الله عليه وسلم :
حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ).. أي : أن المعاصي قد تغريك ، ولكن العاقل هو من يملك زمام نفسه ، ويقدر العواقب البعيدة ، ولا ينظر إلى اللذة لأن شيئا قد تستلذ به لحظة قد تشقى به زمنا طويلاً ، ولذلك قلنا : إن الذي يسرف على نفسه غافل عن ثواب الطاعة ، وعن عذاب العقوبة ، ولو استحضر الثواب على الطاعة ، والعذاب على المعصية ، لا يمتنع عن الإسراف على نفسه .الموت قيامة :
ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).. إذن فلحظة ارتكاب المعصية نجد الإنسان وهو يستر إيمانه ، ولا يضع في باله أنه قد يموت قبل أن يتوب عن معصيته ، أو قبل أن يكفر عنها .ويخطئ الإنسان في حساب عمره ، لأن أحدًا لا يعلم ميعاد أجله ، أو الوقت الذي يفصل بينه وبين حساب المولى ، عز وجل له على المعاصي ، وكل منّا مطالب بأن يضع في حسبانه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
الموت قيامة ، فمن مات فقد قامت قيامته).عثمان بن عفان والبكاء عند القبر :
ولنا أسوة طيبة في عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو الخليفة الثالث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان إذا وقف على قبر بكى حتى تبتل لحيته ، فسئل عن ذلك ، وقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي إذا وقفت على قبر ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
إن القبر أول منازل الآخرة ، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه ، فما بعده أشد
.الغفور الرحيم :
لذلك فلا يستبعد أحد ميعاد لقائه بالموت ، وتستمر الآية بسم الله الرحمن الرحيم :
إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ
صدق الله العظيم ، ونعلم أن هناك ما يشفي من الداء ، وهناك ما يحصن الإنسان ، ويعطيه مناعة أن يصيبه الداء ، والحق سبحانه غفور ، بمعنى أنه يغفر الذنوب ، ويمحوها والحق سبحانه رحيم ، بمعنى أنه يمنح الإنسان مناعة ، فلا يصيبه الداء ، فلا يقع في ذلة أخرى .