هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، كنيته أبو عبد الرحمن ، هو صحابي موغل في المجد عريق المكانة جده سعيد كان يقول له ذو التاج لأنه كان إذا اعتم لا يعتم أحد من قريش من لون عمامتة حتى ينزعها إعظامًا له و إعلاءً من شأنه وأبوه العاص بن سعيد كان سيد من سادات قريش وكبيرًا من كبرائها
خاض مع المشركين معركة بدر الكبرى وأخوه عتبه فقتل معًا وكان مصرع العاص على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان سعيد يوم قتل أبوه وعمه في بدر في الثانية من عمره فكفله سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بسبب ما كان بينهما من أواصر النسب .فنشأ سعيد بن العاص في كنف الجواد العباد السجاد ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه وتربى على يد زوجته رقية وأم كلثوم بنتا سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم فورث المجد كابر عن كابر ونهل الشمائل الكريمة وأخذ الإسلام من أعزز مناهله وأقوها وقرأ القرآن على عثمان بن عفان رضي الله عنه وتلاقاه من فم النبي صلّ الله عليه وسلم فكان أشبه الناس لهجة برسول الله صلّ الله عليه وسلم وكان في جملة الاثنى عشر رجل الذين كتبوا القرآن الكريم في عهد عثمان رضي الله عنه .وبدت عليه علامات السيادة منذ كان فتى يافع فقد روي ذات مرة أن سيدة قد ندرت أن تعطي بورد ثمين عندها لأكرم العرب فقيل لها أعطيه لهذا الغلام فسميت الثياب الفاخرة بعد ذلك بالسعيديه نسبته إليه فقد ولى سعيد بن العاص للمسلمين الولايات وقاد لهم الجيوش وفتح لهم الفتوح حيث فتح الله عليه يديه طبرستان وجرجان وظل واليًا من قبل سيدنا عثمان على مدينة الرسول صلّ الله عليه وسلم حتى استشهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه .مواقف من حياة سعيد بن العاص :ولكن الصفة التي غلت عليه هي الجود والكرم حتى أن معاوية بن أبي سفيان لقبه بكريم قريش فقد أغدق الله عليه بمال بغير حساب فجاد به سعيد على عباد الله بغير حساب وقد روي له في ذلك أخبار رائعة كثيرة وحكيت عنه قصص مثيرة ملئت صفحات التاريخ ضياءً ومن ذلك أنه كان يسر سر المال في كل جمعة ورجل من القراء يجلس في مجلسه ويأخذ عنه كتاب الله تعالى فافتقر وأصابته فاقة شديدة فقالت له زوجته إن أميرنا سعيد بن العاص يوصف بالجود فلو ذكرت له حالك فلعه يسمح لك بشيء فقال ويحك أتريدين أن تسلخي وجهي ولله لا أفعل فمازالت تشتد عليه الحاجة وتلح عليه زوجته في الطلب حتى أتى مجلس سعيد بن العاص كما كان يأتيه كل مرة.فلما انصرف الناس ظل الرجل جالسًا في مكانه فأقبل عليه سعيد وقال أظن جلوسك لحاجة فسكت الرجل فقال سعيد لغلمانه انصرفوا فلما خرجوا لم يبقى غيري وغيرك فاذكر حاجتك فسكت الرجل فأطفأ المصباح وقال له رحمك الله لست ترى وجهي فذكر حاجتك فقال الله أصلح الله الأمير أصابتنا فاقة فأحببت أن أذكرها لك واستحييت فقال له سعيد هون عليك وإن أصبحت فألقى وكيلي فلانًا فلما جاء الصباح لقى الرجل وكيل سعيد بن العاص فقال له إن الأمير قد أمر لك بشيء فأتي بمن يحمله معك فقال له ما عندي من يحمله ثم ذهب إلى زوجته وقال حملتيني على بذل ماء وجهي لسعيد بن العاص .فأمر لي بشيء يحتاج إلى من يحمله وما أراه أمرني إلا بدقيق أو طعام لو كان مالًا ما احتاج إلى من يحمله وأعطنيه بيديه فقال المرأة مهما أعطاه فإننا بحاجة إليه فخذه فرجع الرجل إلى الوكيل فقال إني أخبرت الأمير أنه ليس لديك أحدُ يحمل عطيته لك فأرسل إليك بهؤلاء الغلمان الثلاث ليحملوها معك فمضى الرجل أمامهم فلما بلغوا البيت وعلى رأس كل واحد منهم عشرة آلاف درهم فقال لهم ضعوا ما معكم وانصرفوا فقالوا له إن الأمير قد وهبنا لك وإنه ما بعث بغلام لأحد إلا وكان الغلام في جملة الهدية .وسأل أعرابي سعيد بن العاص فأمر له بخمسمائة فقال لوكيله خمسمائة درهم أم دينار فقال إنما أمرت بخمسمائة درهم
فأما أنه جاء بخاطرك أنه دنانير فدفع إليه خمسمائة دينار فجلس الأعرابي يبكي فقال له سعيد ما بك أم تقبض عطاءك فقال بلى ولله ولكن أبكي على الأرض كيف تواري مثلك .نصائح سعيد بن العاص لابنه عمرو:من نصائحه لابنه عم يا بني ابذل المعروف ابتداءً من غير مسألة أما إذا أتاك الرجل تكاد ترى دمه في وجهه من الحياء أو جاءك مخاطر لا يدري أتعطيه أم تمسك عنه فولله لو خرجت له جميع مالك ما كافأته .وفاته:لما حضرت الوفاة سعيد بن العاص جمع بنيه وقال لهم يا بني لا يفقدن أصحابي بموتي غير وجهي فصليهم بما كنت أصلهم به وأجروا عليهم ما كنت أجريه عليهم واكفوهم مؤنة الطلب فإن الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت أركانه مخافة أن يرد فولله رجل يتملل على فراشه وهو يراكم أهلًا لقضاء حاجته أعظم منه عليكم ممن تعطونه فلما مات عام 59هـ ، قدم ابنه عمرو بن سعيد على معاوية بن أبي سفيان في دمشق يخبره بوفاته أبيه فبكى معاوية وقال إن لله وإنا إليه راجعون وقال هل ترك أبوك من دين فقال له نعم قال وكم هو قال 300 ألف درهم فقال معاوية فهي عليه فقال ابنه أنه أوصاني أن أقضي دينه من ثمن أراضيه فاشترى منه أرضًا بمبلغ الدين فرضي الله تعالى عن السخي الجواد سعيد بن العاص الأموي القرشي .