كانت شابة جميلة ذات خلق وعلم ، اهتم والدها أن يعلمها رغم أن التعليم لم يكن أمرًا مستحبًا حينها ، اهتم بها كثيرًا ، دللها كثيرًا ، كان يلبي لها كل متطلباتها ، وكانت هي هادئة مطيعة لا تسمع لها صوتًا ولا تعترض .توفي والدها وهي في عامها الأخير من الجامعة ، كانت الأصغر ويكبرها ثلاثة أخوة من الرجال ، كان الفرق بينها وبين أخيها الأكبر خمسة عشر عامًا ، حين توفي الوالد كانت ما زالت قاصرًا ، تولى أخيها أمورها وكان الولي عليها القانوني .تزوج الأخ في نفس المنزل ولكن في الشقة المقابلة لشقتها ، كانت زوجته شديدة العجرفة والتكبر ، وكانت الفتاة في حمى والدتها ، حتى توفت الأم وتركت الفتاة في رعاية الأخوة الثلاثة ، تزوج الأخوة الاثنين خارج منزل العائلة ، وبقيت الفتاة في مواجهة أخيها وزوجته .كانت الزوجة تمثل الحب والود للفتاة ، لكن في داخلها كانت تدمر لها كل شر ، كان زوجها يحبها كثيرًا وكانت تستغل هذه النقطة جيدًا ، فكانت تملئ أذنه وقلبه شرًا لشقيقته ، ولكن بطريقة غير مباشرة .أصرت أن تأتي شقيقة زوجها لتعيش معها خلال اليوم ، وتذهب إلى الشقة الأخرى وقت النوم فقط ، بحجة أنها تحبها وأن زوجها يخرج إلى العمل طوال اليوم وأنها سترعى شقيقته ، لكن في حقيقة الأمر كان الهدف من هذا أن تخدمها شقيقة زوجها .كانت الفتاة صغيرة قد تخرجت من الجامعة وتشعر بالملل وحدها طوال اليوم فلم تمانع ، ولكنها حين ذهبت إلى منزل شقيقها شعرت أن زوجته تعاملها بتعالي ، وتريدها أن تخدمها فقط ، بل وتزرع المشكلات بينها وبين شقيقها ، فطلبت الفتاة أن يعود الأمر كما كان .وحين ولدت زوجة شقيقها كانت الفتاة تذهب لمساعدتها عن طيب خاطر ولكن الزوجة كانت أيضًا تعاملها بطريقة غريبة ، كانت تطلب منها أن تنظف ولا تسمح لها بحمل المولود ، كانت الفتاة تشعر بالحزن لكن ماذا تفعل فشقيقها هو كل ما تبقى لها بعد وفاة والديها ، وبعد سفر أخويها للعمل في الخارج .تحملت الفتاة الكثير من الإهانات والمعاملة السيئة ، وبعد أن ملت من المعاملة بهذه الطريقة طلبت من أخيها أن يسقط عنها الوصاية فها هي أصبحت في الثالثة والعشرين ، وكان لا بد أن تسقط الوصاية من عامان .لم يمانع الأخ في البداية ولكن زوجته أصرت ألا يفعل ذلك ، لأنه يقبض معاش الفتاة بنفسه ، وبالطبع يأخذ جزءًا من المعاش لمنزله ، وزرعت في نفسه الشكوك أن الفتاة قد تنحرف ، أعوام مرت والفتاة تحاول أن تتخلص من وصاية أخيها الذي أصبح يتهمها في شرفها دون أي دليل ، وفي كل مرة ينتهي الأمر بالإهانة والسب والخصام الذي يدوم أيام وأسابيع وأحيانًا شهور .بعد عشرة أعوام كاملة بلغت الفتاة الثلاثين عامًا ، وهي ما زالت كما هي لم تتزوج ولم تخرج من وصاية أخيها ، وما زالت زوجته تضايقها بأي شكل وبكل طريقة ، حتى أن الفتاة انعزلت تمامًا ، ولم يعد ما يعطيه لها أخيها يكفي متطلباتها بسبب غلاء الأسعار .لم تكن الفتاة تعلم أن أخيها يسرق أكثر من نصف معاش والدها لنفسه ولمنزله ، حتى من تقدموا لخطبتها لم يوافق عليهم أخيها خوفًا من انقطاع المعاش ، خلقت الفتاة لنفسها عالم خاص في منزلها ، تشاهد التلفاز تطالع مواقع الانترنت ، تتعبد وتصلي فقط ، لا تتحدث مع أحد ، في يوم من الأيام وجدت طلبًا للصداقة من أحد صديقتها أيام الجامعة ، بدأت تنفتح من جديد وتتحدث إلى صديقتها .في أحد المرات كانت تزور صديقتها حين رأت شقيق صديقتها ، أعجبت به على الفور ، وشعرت بالشفقة عليه حين علمت أنه كان متزوج وتوفيت زوجته أثناء وضع طفلتها ، مع تكرار الزيارات لصديقتها كانت تلمح شقيقها أحيانًا ، سلم عليها مرة أو اثنان .كانت تشعر بأنه مميز لكنها لم تجرؤ حتى على التلميح لصديقتها بذلك ، حتى تحدثت إليها صديقتها عن شقيقها ، وأخبرتها أنه معجب بها ، ويود لو يرتبط بها لكنه يخشى أن ترفضه بسبب ظروفه وطفلته .بدا عليها التوتر والقلق والخجل ففهمت صديقتها أنها موافقة على ما قالته ، وبالفعل حددت ميعاد مع شقيقها ليأتي هذا الشاب ويقابل ، ولكن كالعادة رفض شقيقها الموعد كله من الأساس ، فلم ييأس الشاب وذهب إلى شقيقها في عمله ، قابله شقيقها بعجرفة ونهره .حين أخبرها الشاب ما حدث أغلقت على نفسها من جديد ، عادت إلى عالمها الصامت الخالي من الأشخاص مكتئبة حزينة ، في أحد الأيام سمعت هاتفها يدق ، لم تصدق عيناها حين رأت اسم شقيقها الأوسط ، الذي عاد وطلب أن يقابلها .أتى شقيقها لزياراتها وعرف ما حدث معها ، حزن على حالها وما فعله أخيه الأكبر وزوجته فيها ، فقد حولوها إلى وردة ذابلة بعد أن كانت سر سعادة المنزل كله ، فكر في حل لهذه الأزمة وقرر أن يبدأ فورًا بالتنفيذ .طلب منها رقم الشاب الذي يريد الزواج منها ، ولم يخبرها لماذا ، وهاتف شقيقه الثالث وروى له ما حدث في السنوات الماضية ، وطلب منه العودة فورًا إلى الوطن ، بالفعل عاد الأخ الثالث ، واجتمع مع الأخ الأوسط ليواجهوا الأخ الأكبر .رفض تمامًا أن يقتنع وأن يرضى ويتخلى عن وصايته لها ، ورفض أيضًا أن يوافق على زواجها ، حينها قرر أخواها أن يأخذاها إلى المحكمة ويقومون برفع دعوة من أجل إخراجها من وصاية الأخ الأكبر .في نفس الوقت هاتف الأخ الأوسط الشاب وطلب منه أن يتحدث إليه ، تقابلا واتفقا على كل شيء حتى قبل أن تعرف الفتاة ، بعد أن خرجت الفتاة من وصاية أخيها الأكبر ، قام أخويها بالتحضير لزفافها ، الذي رفض الأخ الأكبر أن يحضره تمامًا ، بل تعدى على الفتاة أكثر من مرة واتهمها بالأنانية والعهر .تزوجت الفتاة ، وقرر الأخوة الأوسط والأصغر أن يتنازلا عن حقيهما في شقة والديهما ، وأجبرا الأخ الأكبر على الموافقة على بيع الشقة ، وبعد أن بيعت الشقة وضعت أموال الفتاة وأخويها الأوسط والأصغر في البنك باسمها .كانت حياة الفتاة سعيدة مع زوجها والطفلة الصغيرة التي اعتبرتها ابنتها هي ، كان الأمر الوحيد الذي ينغص سعادتها هو أخيها الذي قاطعها تمامًا ورفض أن يذهب إليها ولو مرة واحدة ، لم تستطع مسامحته على ما فعل بها طوال هذه السنوات ، ولكنها مع ذلك كانت حزينة لما وصلت إليه الأمور بينهما .عادت من جديد زهرة جميلة مبتسمة تجلب السعادة لكل المحيطين بها ، أنجبت من زوجها ثلاثة أولاد ، وربت ابنة زوجها وكأنها ابنتها هي تحبها وتعاملها برفق وحنان يتعجب لها كل من يراها ، فعوضها الله كل الألم الذي مرت بها ، وعاشت سعيدة تعلم أطفالها أن يحبوا بعضهم البعض ، وألا يظلموا بعضهم البعض .