معنى أنك تقرأ هذه السطور أنني تخلصت من هذه الحياة الكئيبة السخيفة ، هذه الحياة التي جعلتني أعاني كل يوم ، كل دقيقة وكل ثانية ، كلما نظرت إلى ملابسي الضيقة وإلى مظهر جسدي ، جسدي المترهل الممتلئ ، كلما نظرت إلى أعين الناس أراهم ينظرون إلي بشفقة .لم أستطع يوم من الأيام أن أكون مثل فتيات التلفاز متناسقة رشيقة ، طوال عمري كنت أعاني من السمنة المفرطة ، عشرات الكيلوات من الدهون مستقرة فوق قلبي ، وعلى محيط صدري ، تلتف حول ساقي تمنعني من الجلوس بشكل لائق ، تجعل الجميع يتجنب النظر إلي .أدرك كم كان مظهري بشع ومقزز ، أدرك كم كنت أشبه قطعة اللحم كثيرة الدهون ، أدرك كل شئ يراه الناس ، ويحاولون إقناعي بعكسه ، بشعة أعلم لكني لم أقصر في أي شيء ، بكل صدق جربت كل شيء ، جربت ملايين الحميات الغذائية ، حاولت أن اتدرب في النوادي الرياضية ، جربت كل شيء بدون فائدة ، حتى أني امتنعت أيام عن الطعام ، وحين نظرت إلى المرآة وجدت جسدي تمتلئ أكثر .والآن قررت أن أتخلص من كل هذا ، قررت أن أخلصكم جميعكم من الخجل من الظهور معي في الأماكن العامة ، كنت أعلم أنكم تتهربون من الخروج برفقتي ، ولكنكم لم تستطيعوا أن تجرحوا مشاعري ، كنتم تخرجون برفقتي شفقة ، وتتحدثون إلي شفقة ، حتى ابتساماتكم لي كانت شفقة.أعلم أن حبكم لي كان محرككم لكني قررت ألا أتمادى وأستغل حبكم أكثر ، قررت أن أطلق سراحكم كلكم ، سأنسحب من الحياة وأتحول إلى ذكرى ، أتمنى ألا أكون ذكرى سيئة ، أتمنى أن تتذكروا محاولاتي لإسعادكم ، وألا تذكروا لحظات الحرج التي سببتها لكم ، أوصيكم أن تحرقوا ملابسي الضيقة رغم كبر مقاساتها ، لا أريدكم أن تتذكروا حجم جسدي بعد موتي ، تذكروا على الدوام روحي الي طالما أخبرتموني أنها جميلة و مرحة .أمي وأبي سامحوني أعلم أني أتعبتكم في كثير من الأوقات ، و أعلم أن قراري هذا سيسبب لكم الكثير من الألم لكني لم أعد أحتمل ، لم أعد قادرة على المقاومة أكثر الحرب أكثر ، الوداع أسرتي الجميلة ، الوداع يا كل أصدقائي ويأكل من مروا في حياتي ، سامحوني جميعكم .الكلمات السابقة كانت بقلم ابنتي التي انتحرت بتناول جرعة زائدة من الدواء المسكن ، وما ستقرأنه فيما يلي بقلمي أنا والدتها ، الأم التي حرمت من ابنتها ، ابنتها التي عانت طوال عمرها من داء الوهم .نعم الوهم ، الوهم الذي أدى إلى موتها بيديها ، كانت ابنتي طوال الوقت تعتقد أن وزنها زائد وأنها بحاجة فإن تنقص وزنها ، حاولت العديد من الأنظمة الغذائية وفقدت الكثير من الوزن ، حتى أن الأطباء كانوا يحذروها من أن وزنها أقل من الطبيعي .لم تستمع للأطباء ولم تقتنع بما فعلوه لها ، رفضت العلاج النفسي جملة وتفصيل ، حتى أنها رفضت أن تتناول معنا الطعام مدعية أنها تشعر بالامتلاء ، امتنعت عن الطعام لأيام ، وكانت تفقد الوزن بطريقة خطيرة ، كانت تشبه المومياء ، حتى أنها فقدت القدرة على الجلوس شكل طبيعي من شدة ضعفها .لم تعد لابسها تناسبها وكانت تبكي في كل مرة تنظر إلى المرآة ، حاولنا إقناعها أكثر من مرة بأنها تحتاج إلى الطعام لكن دون فائدة ، منذ يومين دخلت إلى غرفتها ، حاولت أن أوقظها لكنها كانت ميتة منذ ساعات ، هذا ما قاله لنا الطبيب ، لم أستطع أن أتمالك نفسي ، رحت في صدمة كبيرة ، وها أنا الآن في غرفتها اقرأ كلماتها وأتمزق من الألم .