كان طريق رجوعي قصيرًا هذه المرة ، فقد كنت أرافق فيه أحد الزملاء المهندسين ، والحديث والنقاش يقتلان الوقت ويخفيان كذلك الكلاب التي في الطريق ، لكن الموضوع الذي بدأه معي ذلك الزميل المهندس كان غريبا بالفعل ، ولم أكن أتوقعه على الأقل منه ، فقد كان يغريني بمنتهى الجدية لكي أبقى في استراليا وألا أسافر مع السفينة ، لأن هذه فرصة لن تتكرر لمثلي ، فلم أكن متزوجا في تلك الفترة ، ولم تكن سني وقتها تجاوز الخامسة والعشرين عاماً ، وفي نظرة أن هذه سن مناسبة جداً للهروب ، ولا أدري ماذا كان يقصد بكلمة الهروب ، هل هو من السفينة أو من مصر ؟اقتراح الزواج :
وعلى الرغم من أن حججه كانت مقنعة بالفعل ، خصوصا مع شاب صغير السن والتجربة مثلي في تلك الفترة ، فقد كان يملك في كل سؤال مني إجابة شافية ، حتى عندما سألته عن كيفية الحصول على الإقامة دون أوراق ، وكيف سأعمل من دون شهادات ، فقال لي إن شهادات تأتيك من مصر بالبريد السريع ، أما الاقامة فعليك بالزواج من استرالية ، فقلت له إذا كانت الأخت كيت فتاة الآيس كريم موافقة ، فأنا موافق جدًا طبعا ً ..البحث عن زوجه صالحه في البارات :
ولكن ما البديل يا عزيزي إذا لم توافق ؟ ..أجاب : هنا عليك وعلى الديسكوهات والبارات ، أجبته : أفادكم الله ، فلم يعد لكلامه أي صدى في أذني ، وقلت له : ولماذا لم تهرب أنت منذ عشر سنوات ؟ وقد كنت أعلم أنه كان يزور استراليا مرتين في السنة على الأقل ، كما قالوا لي كثيرًا .فكان رده عليّ أنه كان مخطئًا ويندم على ذلك ، فقلت له : فلتعتبرني مثلك ، في تلك السن ، ، فضحك وقال لي : أنا كنت أريد مصلحتك فقط ، فشكرته ، وقلت له : إن كنت أريد الهجرة ، فيجب أن أكون مطلوبا من البلد الذي سأهاجر إليه ، لا لأن أفرض نفسي عليهم فرضاً ، ثم أنتظر محاسن الصدف هناك .اللاجئ :
ويبدو أن محاسن الصدف كانت تنتظرنا فعلًا ، عندما صادفنا على بوابة الميناء شابا في حدود الثلاثين من العمر ، قال لنا أنه أفغاني الجنسية ، وهو لأجيء حاليا في استراليا بإقامة مؤقتة ، حيث كان يعمل على إحدى البواخر ثم هرب في ألباني ، ولأن ألباني صغيرة فقد عثر عليه البوليس بسهولة .وتم ايداعه في الحجر الصحي لمدة أربعة أشهر ، حتى يثبت أنه خال من الأمراض المعدية ، ثم تم إرساله بعد ذلك إلى معسكر اللاجئين ، حتى يتم البت في أمره ، وقد كانت له عدة مشاكل ، على رأسها أنه ملون ، وفي أستراليا يرفضون تجنيس الملونين ، قمة العنصرية ، بالإضافة لكونه مسلم ، ولكن لم يعلن له هذا رسمياً ، حتى تم في النهاية إعطاؤه إقامة مؤقتة ، وألحق بالعمل كعامل شحن في الميناء ، ولكن بنصف أجرة الاستراليين البيض .هجرة غير شرعيه :
ولما سألناه : هل أنت سعيد بحياتك هنا ؟ .. قال باختصار : هي أفضل كثيراً من الحياة في بلدي ، فنظرت إلى زميلي نظرة ذات مغزى ، كانت تغني عن أي كلام كان يمكنني قوله بعد ذلك .والحقيقة بالرغم أنني لم أكن يومًا من هواة الهجرة لخارج مصر ، على الرغم من عشقي للسفر منذ الصغر ، وإذا كان ولابد من الهجرة ، فلتكن بالطرق الشرعية عن طريق سفارة البلد ، حتى لو كانوا يضعون شروطا تبدو في باطنها تعسفا لرفض المتقدم .فما بالك لو عثر البوليس على ذلك المرفوض مقدمًا ، وهو هارب من بلدهم ؟ ولو أفلت من البوليس فليس له إلا عصابات الاتجار بالبشر ، ليعمل عبدا عندهم وبأبخس ثمن ، فالأصل في الموضوع أن تكون مطلوبا للبلد لا طالبا له ، حتى لا تتحول لمجرد متسكع في شوارعه .أمر صعب :
ربما أكون مخطئًا في وجهة نظري في نظر البعض ، وربما ندمت بعض الشيء على ذلك يوما ما ، لكنها في النهاية وجهة نظر ، قد تعجب البعض وقد لا تعجب البعض الآخر ، لكن البحث عن زوجة صالحة في المراقص والبارات هو أمر صعب جدًا ، أعتقد ذلك يعني .