يبدو أن خيالاتي في محل عصير القصب ، ومحامص اللب والسوداني برمسيس قد تحولت لحقيقة بالفعل ، فالدور الأرضي من المول الكبير ذي الستة أدوار ، الذي يواجه محطة الأتوبيس وكذلك محطة المترو ، كان يمتليء بالفعل بالكثير من المقاهي ، ومطاعم الوجبات السريعة ، ومحلات بيع العصائر الفريش بكل ألوان الطيف ، بل تصلح ألوانها أن تكون إعلانًا محترمًا لشركات البوية ، التي صارت تملأ شاشات التلفزيون المصري في رمضان ، أما عن الأكشاك التي تبيع البضائع الصينية والهندية فحدث ولا حرج .أكشاك البضائع الصينية والهندية :
فهي تبيع المقليات والمقرمشات والمكسرات على كل شكل وكل لون ، وبالتركيز على كل لون هذه ، فقد كانت هذه هي أول مرة لي أرى فيها الفيشار من النوع الأحمر ، أو فول سوداني أخضر اللون ، أما معجزة المعجزات فكانت المقرمشات المقلية بكل النكهات البحرية ، مثل الجمبري والكالاماري وفواكهه البحر ، وجميع مالذ وطاب من منتجات الفسفور والذي منه ، وعلى الرغم من أنني لست من هواة البحريات ولا أطيق رائحتها .الجوع :
لكن كانت مسامير الجوع قد بدأت تدق على أبواب وجدران معدتي الفارغة ، إلا في إفطار كونتننتال في الصبح ، لا يسد رمق فأر يعاني من الفقر ، فقلت أشتري أي شيء مقرمش لسد الجوع ، ولكن كانت تنتظرني مفاجأة مفزعة !!المفاجأة :
لقد توجهت لأحد الأكشاك وكان البائع صيني الوجه والسحنة ، ولكن بنيانه الجسدي والعضلي لم يكن صينياً على الاطلاق ، ويبدو عملاقاً في وقوفه داخل الكشك الصغير ، الذي يبدو أن النجار الذي صنعه له قد انتظر دخوله أولاً إلى داخله ، ثم فصل هيكل خشب الكشك عليه بعد ذلك ، فمن المستحيل لهذا المارد العملاق الخروج من الباب الصغير الذي رأيته على جانب الكشك ، بل وربما سرحت بخيالى بعيداً وتخيلته ينام وهو واقف هكذا ، أو يحمله على كتفيه وهو بداخله ، ثم يقوم الجيران بمهمة تفكيك الكشك بعد ذلك !دهشة وتساؤلات :
كانت هيئة هذا الصيني غريبة عليّ بالتأكيد ، خصوصاً وأننا اعتدنا على رؤية الصينيين ، بل وكل شعوب الشرق الأقصى ، قصار القامة ، ومن هيئة بروس لي ، وجاكي شان ، يبهرون العالم بفنون الكاراتيه والتايكوندو وجميع هذه الأكروبات ، أما بخصوص كمال الأجسام وتضخمها بهذا الشكل .فهذا الشيء حصري لنا نحن المصريين بالتأكيد ، من فئة آكلي الفول والكشري وشوربة الكوارع بالخل والثوم ، أما هؤلاء من أكلة الأسماك والسوشي والسبيط والديدان ، وتمنين أن يكون هذا الصيني استثناء سنغافوري ، حتى لا نفقد أهم ميزة لدينا كسكان للشرق الأوسط لصالح نمور الشرق الأقصى ، التي تآكلنا لحماً بمنتجاتها الرخيصة ، ويمكنها الآن أن تمصمص عظما ، لو تحول بعض من مواطنيها لمثل هذا العملاق !!بيع وشراء :
كانت جبهة الصيني العريضة ، ووجهه الذي يملأ فتحة الكشك ، قد دفعاني للمقارنة بينه وبين صور الكابوريا ، المرسومة على أحد أكياس المقرمشات وراؤه ، فلما رآني أركز النظر فيها على الكيس وأبتسم ، سارع بحمل الكيس إليّ ويبدو أنه ظنني أريده ، فحمدت الله أنه ظن بي هذا ، فأغلب الظن مع هذا العملاق هو إثم كبير جداً ! وأعطاني الكيس وقال إن ثمنه دولاران كاملان ، فأخذته وأعطيته الدولاران بلا أدنى نقاش !خوض التجربة :
وعلى الرغم من أنني لم أحب يوما رائحة الكابوريا ، ولا حتى رائحة أي من المأكولات البحرية ، اللهم إلا السمك البلطي النيلي أو البوري مزارع ، أخذت الكيس وقررت خوض التجربة ، وأكلت تلك القراميش بطعم الكابوريا ، التي دفعت فقط في صورتها دولاران قسرياً ، وعلى كل حال كان طعم الكابوريا مقبولاً سبياً ، مع معدتي التي مازالت تعاني ، وكأنها حوض سمك امتلأ بأسماك متوحشة .