قصة باللامسافة رأيته

منذ #قصص اجتماعية

محال أن تحتمل مساء غامق يبقيك ساهراً دون دافع ! لا أود الكذب ، لا أفضل اعتناقه ديناً كغيري ، فربما هناك دافع من سهرتي هذا المساء ، ليتني أضع يدي على هذا الدافع ، أشعر بحالة من الاحباط المقصود ، لم أنا ساهرة ؟ لم أعادي قمر ليلتي ؟ ولم أشكو نفسي لنفسي !طفل البوسنة :
الدوافع بمنطقيتها وجنونها أرهقتني زحاماً ، وفجأة لامست ذاكرتي شيئاً مادياً ، ربما كان وجه هذا الطفل هو الدافع ، رأيته على أول طريقي بالبوسنة ، وجهه داع للتفاؤل من بعيد ، بعد اقترابه اختلفت الصورة ، وتبدل الوجه ، هناك على بعد أمتار ، وجدته باسماً .سعادة لكن من بعيد :
صاحب معنويات شاهقة تفوق ارتفاع قمة ايفريست ، من بعيد شاهدته من هؤلاء الأطفال مالكي مفاتيح السعادة والنجاح ، على أول طريقي أعتقد أنه حالم صغير يشدو كل صباح ، دون أن يحمل هموم الغد ، على بعد هذه الأمتار ، تخيلته مدللاً ، أحسسته يقفز للأعلى ويتمايل على جانبي الطريق من فرط السعادة ، هناك ..حطام عن قرب :
رأيته يرتدي ألوان طفولية داعية للبهجة ، وفجأة تاهت الأمطار في دنيا الاقتراب ، وأصبحت مجاورة للطفل بالطريق ، لم يلتفت لي ، لم تجذبه هيئتي ولا لغتي ، ولا تعبيرات وجهي الصارخة بالدهشة ، ما هذا ؟ هل من أبجديات العقل أن أراه على بعد أمتار بصورة أخرى حطمت ملامحها المسافة ؟نداءات :
شعرت وكأن أحدهم من صانعي الحرب مارس موهبته السوداء في خداعي بصرياً ، آملاً في أن يمتد ويصير فكرياً بالتبعية ، توقفت قارعة أجراس النداء العلني ، بكل ما لدي من صوت وإحساس ، راقت آذان الطفل لندائي ، فإذا به ينظر إلي بشيء من الرهبة ، وأن ترهب طفل هو بحد ذاته أمر لا إنساني المذهب .أنا والطفل :
فاستجمعت لباقتي التي ربيتها على قواعد الحب والاحترام ، ودنيا المساواة وخلافها من قيم تعلمت كيف أحيا بها ولها ، منذ انضمامي لمنظمة اليونيسيف المعاونة للطفل بأرجاء واقعنا المزدحم ، بأمر اليونيسيف الانساني خاطبت الطفل ، تحدثنا لمدة من الوقت لا أذكر كم كانت ؟ خانتني ذاكرتي حينها وقد أكون أنا من أعطيتها ميعاداً آخر ولم أذهب !طفل أم كهل :
شغلني الطفل الذي بقربه ، لم أجده طفلاً أبداً ، وجدته كهلاً في جلباب صغير ، وله عصا يتوكأ عليها ، علمت منه أن طفولته شاخت بفعل الحرب ، ودماء القتلى ، والأدخنة السوداء ، وبرودة المشاعر ، واقتلاع الجذور ، وضياع الحنين ، وجميعها جعلته يبدو شيخا في عمر طفل لا يفقه طلاسم غده رغم القهر بالبوسنة ، أخبرني أنه أخذ عصا جده ليسعى في الأرض أملاً ، إذا فحقاً ما رأيت !عصا التحدي :
تلك الروح المبهجة التي استشعرت بوجودها بكيانه قبل اقترابي منه ، لم أكن أتخيل ولم تكن خدع وضعها أعداء السلام في طريقي ، إنها عصا التحدي التي أستند عليها ليجد واقع غير الواقع ، واقع يأتي بالشمس رغماً عنها .أقدام ثابتة نحو الطريق :
البوسنة تحلم بعودتي ملاكاً يصلح أعمال الشياطين ، عبارته الأخيرة ، قالها لي ومضى ، بأقدامه الثابتة نحو الأمام ، لا أعلم إلى أين ذهب ؟ ولا كيف سيعود ؟ وما المهم في أن أعرف أنا .. الأكثر جدوى أنه يعرف طريقه جيداً بحجم يقينه بأجساد ووجوه القتلى من ذويه في البوسنة !

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك