على الرغم من أنني حذرت سابقاً من أكل الشيبسي في فنادق دبي ، لاعتبارات فواتيرية سياحية فندقية ، لا تترك شاردة ولا واردة إلا وتحاسب النزيل عليها ، ونحمد الله على نعمة الشخير في الفنادق مجاناً ، وإلا كانت فواتير الفنادق ستتضمن بدل إزعاج ، أو بدل إخلاء للغرف المحيطة بغرفة النائم المشخر السعيد ، ولكن المسألة في إندونيسيا تختلف كثيراً ، فكل شيء هنا طبيعي ، بما فيه الشخير بالطبع ، ويمكنك أن تنام تحت هذه الأشجار الوارفة ، فتساقط عليك بعضاً من ثمارها.أشجار مانجو وجوافة بلا صاحب :
عسى أن تستقر إحداها في حنجرتك القوية فتسكتها إلى الأبد ، خصوصاً لو كانت الحبة الساقطة من هذا المانجو الشهي الطازج ، المنتشر في كل مكان ، ليس فقط على فروع الأشجار ، لكنه متساقط أيضاً على الأرض ، فقد كانت أشجار المانجو والجوافة المحيطة بالبناء كثيرة بالفعل ، ولكن المشكلة أنها كانت تبدو أن ليست لها صاحب !من المسئول هنا :
يبدو أن البعض شاور عقله وقرر الاقتراب من الشجر ليلتقط بعض الثمار ، عملاً بمبدأ اشغل وقتك بالنقاوة حتى يعود الجنايني ، ولكن يبدو أن الجنايني لن يعود أصلاً ، فلا يبدو أن أحداً يهتم بهذه الأشجار نهائياً ، فقد كان المانجو الذي يكسو الأرض منها أكثر كثيراً من الذي ظل ينتظر السقوط من على الفروع ، ولكن ظل السؤال الملح عليّ : لماذا تركه عمال الميناء هكذا ، وبإمكان كل عامل منهم أن يعود لبيته وهو يحمل لأولاده يومياً ما لا يقل عن قفصين مانجة فص .هل يوجد كلاب حراسة للمانجو :
ولكن بقي خطر واحد منع الأخوة من اختلاس بعض ثمار المانجو المتناثرة ، وكان هذا الخطر هو الكلاب التي توجد حتماً كحراس للجناين ، إلا لو كان الأخوة الأندونسين قد وجدوا حيوانات أخرى للحراسة غير الكلاب ، فظلت العقول مشغولة بالتفكير .تحذير :
وبما أنني لي خبرة في المانجو ، فقد كان لدينا شجرة كبيرة أما البيت قديماً ، لذلك فقد قلت لهم ، رفقاً بحالهم ، بأن المانجو لا يؤكل هكذا من على الشجر ، فيجب أن يقطف ويخزن في التبن حتى ينضج ، والتبن هو مطحون حصاد القمح والأرز ، أو يمكن لف المانجو بورق جرائد ، أما ما هو موجود أمامهم فهو مانجو أخضر ، إما أن يكون صلباً جداً أو مالحاً جداً ، أما الجوافة فقد كانت أعلى من أياديهم القصيرة .عدم العمل بالنصيحة :
ولكن يبدو أنهم لم يأخذوا بنصيحتي ، والتقطوا ما طالته أيديهم من فوق الشجر ، فمقامهم أعلى من مجرد لم ما تحت الشجر ، على اعتبار أن المانجو لو كان أخضر صلباً ، فيمكن لفه في ورق جرائد.العودة :
عاد الجميع إلى السفينة ، وكل شخص منهم يحمل في يديه تلالاً من المانجو ، فلم تظهر أي كلاب تخيفهم ، وحتى عمال البناء في الميناء كانوا ينظرون إليهم وهم يضحكون ، ثم بدأ النزاع على صفحات الجرائد ، فلم تكن كل الجرائد المخزنة في الكبائن تكفي ربع كمية المانجو التي التقطوها ، خصوصاً مع اصرار البعض على لفه في جرائد مكتوبة باللغة العربية !لف حبات المانجو :
على اعتبار أن لفه في جرائد أجنبي حرام ، أو يعتبر أكله في هذه الحالة مكروهاً أو فيه قولان ، حتى صدرت فتوى رسمية من أحد فقهاء السفينة بجواز لف حبة المانجو في أي ورق جرائد ، أو حتى ورق مجلة على ألا تحتوي على صور غير لائقة ، وبدأ سماحة المفتي بنفسه ولف المانجو الخاص به كله أولاً ، وبدأ الجميع يمني نفسه بعد نضج المانجو بالاستمتاع ، ومن المعروف طبعا أن فن الاتيكيت ضبط كل شيء ، إلا ما يحدثه أكل المانجو من فوضى .المفاجأة المؤسفة :
ولكن أحلام هؤلاء قد تحولت مع الأسف لسراب بقيعة ، قد حسبوه لطفاستهم عصيراً ، بعد أن تهور أحدهم على حبة طرية ، وقطعها بالسكين لمجرد حب الاستطلاع المنجاوي ففوجئ بالحقيقة المرة ..كانت الحبة تسكن في داخلها دودة طويلة ، وصدق المثل عندما قال : لو كان فيه الخير ما كان رماه الطير .. ولم يكن قد تركها العمال هكذا تحت الشجر فقد كان هذا النوع من المانجو ، يحتوي على تلك الدودة التي تسكن في داخله ، ربما لعدم رشه بمبيدات أو ما شابه ذلك ..مانجو من مكان آخر :
لكن القصة لم تنتهي عند ذلك الحد ، فعندما انتشر خبر دودة المانجو في السفينة ، وقيام الجميع بإلقاء غنائمهم المنجاوية الحلال في صناديق القمامة ، بقيت كمية كبيرة من المانجو في ثلاجة السفينة ، كان قد وردها صاحبنا التاجر الاندونيسي الطيب ، ودفعت السفينة تمنها بالدولار طبعاً ، فقد هرع الطباخ للكشف عليها ، فوجدها من نوع آخر سليم من دون دود ، فتنفس الجميع الصعداء ..