في إحدى مستشفيات المملكة وبالتحديد في مختبر التحاليل كان لدي موعد لعمل بعض التحاليل اللازمة للاطمئنان على صحتي ، جاءت الممرضة وبدأت في أخذ البيانات اللازمة ، سمعت الجميع ينادونها بفتون وقد كانت تعمل موظفة ببنك الدم ، والغريب أن كل مرتادي المستشفى كان يعرفونها ، فمنهم من يحادثها ومنهم من يرمقها بنظرات الإعجاب وغيره .فهي فتاة لم تراعي حرمة دين ولا حياء كان حجابها يظهر أكثر من نصف شعرها ، ولباسها ضيق مُظهر لجسدها وكذلك رائحة العطر كانت تفوح منها على بعد أمتار ، وكانت فتون كاسمها مفتونة بجمالها وتفتن كل من مر بمحيطها ، فكانت لا تهدأ على مكتبها لعشر دقائق كاملة ، وكانت تتحرك من مكان لأخر وتغير على الرجال من ضعاف القلوب بسلاحٍ فتاك .اقتربت فتون مني وتناولت بإحدى يديها ملفي بعد أن شمرت عن ساعدها في حركة إغراء ملفتة ، وأخذت تبتسم في وجهي وأنا لا أعلم مغزى لابتسامتها تلك ، فأنا رجل ملتحي أخاف الله ، غضضت بصري عنها سريعًا لكنها اقتربت مني بصورة لم استطع معها إبقاء عيني منخفضة ، وهي تقول لي : أهلين يا أخي شفاك الله وعافاك ، ثم تابعت قائلة نحن نحتاج في بنك الدم لمتبرعين مثلك ، إذا أردت أن تشارك معنا رجاءً اترك اسمك هون ورقم هاتفك أيضًا .لقد انتهى حواري مع فتون لكن حواري مع نفسي لم ينتهي، حينما انتهيت من عمل التحاليل خرجت من المشفى أسفًا على نظرتي إليها ومتابعتي تحركاتها ، وظللت ألوم نفسي لومًا شديدًا على ذلك ، وأدركت أنها الفتنة فتنة الشيطان التي أرادت الإيقاع بي في شباكها ، ظللت أفكر في حلٍ فما زال لي ثلاث زيارات متتالية إلى نفس مختبر التحاليل ، وقد أراها في أي مرة منهم .وأثناء انشغالي بالأمر تذكرت قول الله عز وجل : {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } { سورة الأعراف ، الآية 7} ، فأخذت أدعو الله أن يرزقني البصيرة وفعل الصواب ، وفكرت أن أترك لها رقمي في ورقة وأحادثها لمرة واحدة فقط أنصحها فيها وأوضح لها خطأها ، ولكن أفاقني الله من غفلتي لقد كانت تلك خطة جديدة من خطط إبليس ، الذي أرادني أن أنصحها لمدة خمس دقائق ثم أهوى معها في الجحيم الأبدي .وهنا بادرتني فكرة أخرى اطمأن لها قلبي وهي أن أكتب لها كل ما بذهني في ورقة ، وأدعوها للهداية والعفة وطريق الصواب ولكن كان الشيطان يباغتني بين الفينة والأخرى ، ويقول لي : ماذا لو ظن بك المتواجدون سوءًا ، ماذا لو ادعت عليك هي شيئًا إفكًا واتهمتك زورًا ؟ انجِ بنفسك ولا تتعرض لها حتى لا تكون من الهالكين ، ولكني تذكرت قول المولى عز وجل : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين} {سورة هود ، الآية 114}.نعم فقد تركت الشيطان يتحكم بي للحظة وافتتنت بها ، لذا يجب عليّ تصحيح ذلك الخطأ بنفسي ، وبينما أنا كذلك تذكرت موقفًا لها في ذلك اليوم مع أحد المرضى وهي تتأفف على مضض ، فأمسكت القلم وبدأت أكتب لها من هذا المدخل ، فلو نصحتها بأن اتقي الله وأن ما تفعليه لا يصح لم تكن لتستمع لي ، لذا كتبت لها بتلك المقدمة وأنني أدرك مشقة العمل والحياة وضغوطها ، ولعل تأففها كان بسبب ضغط وأن الدنيا دار مشقةٍ وعناء ، ولكن الراحة في الجنة والآخرة وحتى تجدها يجب ألا تضيعها ، وتعيد النظر بحياتها حتى لا تلقى المشقة في الدنيا والآخرة .وبالفعل حينما ذهبت إلى المستشفى انتظرتها ولكنها لم تظهر ، فأخذت أتباطأ حتى تظهر ولما ظهرت مددت لها يدي بورقةٍ صفراء ، فابتسمت وهي تأخذها لعلها كانت تظنها شيئًا أخر ، ولكني انصرفت مسرعًا دون أن ألحظ أن الكثيرين من حولي قد لاحظوا ما حدث ، ولكن من فضل الله عليّ أنهم لم يظنوا بي سوءًا ، ولعل أغلبهم كان يود أن يقوم بما قمت به .مرت الأيام والشهور والسنوات وشاءت الأقدار أن أعود لنفس المختبر ، ولكن تلك المرة لم أجد فتون فقد جاء لي ممرض رجل بدلًا منها ، وحينما سألني عن اسمي أخبرته فاسترعى صوتي انتباه أحدهم كان مع مريضة أخرى خلف الستار ، إنها فتون نفسها وكأنما أرادت أن أرى ما هي عليه الآن ، فأزاحت الستار قليلًا ورحبت بي ، كانت كأنها البدر في إطلالته بلبسٍ ساتٍر وحجاب يغطي جبهتها تمامًا ، حينما رأيتها انفرجت أساريري وشكرت الله وبعدها غادرت المدينة لظروف عملي ولم أرها ثانية لكني كنت أعلم أن الله معها مادامت هي معه .