ذات يوم ، وفي وسط زحام الحياة ، كان هناك رجل يركب إحدى حافلات النقل ، وكان اليوم عاصف ، وممطر بطريقة شديدة ، الأمر الذي دعا الناس إلى اللحاق بأية حافلة ، يركبون فيها ، حتى يحتموا من المطر ، والجو القاسي ، وكان ذلك الرجل ، ينظر عن منظر الناس ، الذي هلعوا إلى الركوب في السيارات ، دون أن يفكر أي منهم في أي شيء آخر ، المهم هو أن يجد الناس مكانًا يفرون إليه .كان الرجل يحتل المقعد الأمامي في الحافلة ، وبينما كانت الحافلة تسير ، إذ وقفت عند مظلة مخصصة للانتظار ، وكان تحت المظلة أناس كثيرون ، أعياهم الجو القاسي ، وتعرقلت حركتهم ، نتيجة إلى الأمطار ، التي أغرقت الشوارع ، كان من بين أولئك الواقفين تحت المظلة ، رجل عجوز مسن ، فبمجرد أن وقفت الحافلة ، هم الرجل ، حتى يركب فيها ، ليأمن على نفسه من ذلك الجو العاصف ، شديد هطول الأمطار .الغريب في الأمر ، أن ذلك الرجل المسن عندما صعد إلى الحافلة ، كانت جميع المقاعد ممتلئة ، وأغلبيتها من الشباب ، الذين يستطيعون بدورهم ، أن يتحملوا الوقوف طيلة الطريق ، ولكن من العجيب أنه لم يقم أي من الجالسين ، ليمكن العجوز من الجلوس في المقعد مكانه ، نظرًا لكبر سنه ، وعدم تحمله لأن يقف طوال الطريق في الحافلة ، حزن الرجل الذي كان يجلس في المقعد الأمامي من البداية حزنًا شديدًا ، وسخط على جميع من يجلسون على مقاعد الحافلة .وعلى الفور نهض الرجل من مقعده ، وذهب إلى الرجل المسن ، وحياه ، وأقبل ، ليمسك الرجل المسن من يديه ، برفق ، ولطف شديد ، وطلب من ذلك الرجل أن يقوم بمرافقته ، حتى يتمكن من الجلوس ، أخذ قسط من الراحة ، في المقعد ، بدلًا منه ، نظر الرجل المسن إلى ذلك الرجل ، وتعجب من أمره ، وما يفعله تجاهه ، ويقدمه له من رعاية ، على غير ما فعله جميع الركاب الجلوس على مقاعد الحافلة ، فلما رأى الرجل دهشته ، وتعجبه الشديد من ذلك الأمر ، أخذ يحدثه بعبارات رقيقة ، غاية في الرقي ، والاحترام .فقال للرجل المسن : ” لا داعي للدهشة يا جدي ، فما أفعله ما هو إلى واجبي نحوك ، وما هو في الأصل ، إلا تطبيق لتعاليم الإسلام ، ولا داعي للانشغال بأي تصرف آخر قام به أحد ، فهو لا يمت لتعاليم ديننا الحنيف في شيء ، فالدين الإسلامي قائم على الاحترام ، والتهذيب ، ويجب على الصغير أن يحترم الكبير ، ويوقره ، وأن يرعى الصغير الكبار في السن ، كما يرعى الكبار الصغار ، في أول أعمارهم ، فلا يحزنك شيء ، ولا يضرك يا جدي العزيز ، فأنا لم أقوم إلا بجزءمن واجبي تجاهك .وبالفعل أخذ الرجل بيد الرجل المسن ،ومشى معه بهوادة ، وأجلس الرجل العجوز في المقعد بدلًا منه ، وظل الرجل واقفًا على رجليه ، طيلة الطريق ، حتى وصل إلى المكان الذي سينزل فيه ، فأوقف الحافلة ، وودع الرجل المسن بحرارة ، وشكره المسن على صنيعه ، ومعروفه ، ودعا الله له ، فعامل كما تحب أن تعامَل ، فاليوم أنت شاب ، ولكن ماذا عن الغد ؟