قصة المرأة التي تحبني هي جزء من مجموعة قصصية للكاتب إميل زولا تدعى حكايات إلى نينون ، التي انتقد فيها الحالة العامة للمجتمع الفرنسي في ذلك الوقت ، فهي تحمل بداخلها إدانة للمجتمع الذي سبب الفقر لامرأة شابة مما دفعها للعمل بالبغاء .نبذة عن الكاتب :
إميل فرانسوا زولا (Émile Zola بالفرنسية) ، هو كاتب فرنسي كان صحافيًا وروائيًا عاش بين عامي (1840م -1902م) ، وكان ممن ساهموا في تطوير المسرح كما أنه اشتهر بسبب آرائه السياسية ونقده لحالة المجتمع .أحداث القصة :
المرأة التي تحبني ، أهي سيدة مرموقة أم هي الفلاحة السمراء التي ترمقني وهي تعبر ؟ ، أهي المسكينة التي تشكرني على صدقتي أم هي أمرأة رجل أخر ، هل هي من بنات أوروبا بيضاء كالضحى أم من بنات آسيا صفراء البشرة ؟ ، المرأة التي تحبني هل يفصلها عني حاجز رقيق ؟ أهي خلف البحار ؟ أهي أبعد من النجوم ؟ أهي لم تولد بعد أم ماتت قبل مائة عام ؟بالأمس سرت أبحث عنها في ساحة مهرجان ، كان هناك احتفال في أحد ضواحي البلدة والناس يسيرون في الشوارع في هرج ومرج ويرتدون أبهى ثيابهم ، الفوانيس أضيئت ، والطرق مزينة بأعمدة صفراء وزرقاء تعلوها آنية صغيرة ملونة يشتعل فيها فتيل يبعث دخانًا يترنح مع الريح .كنت أسير وسط الحشود الغفيرة ، وأنا أحس بوحدة قلبي حتى وصلت إلى أحد الخيام المنصوبة وعلى بابها وقف رجل يرتدي بذلة ساحر وقبعة مسترقة الطرف تتوزع عليها نجوم ، ويصيح في الحشد : أدخلوا سادتي الكرام ، إنني قادم حديثًا من الهند ومعي المرأة السحرية ، مرأة الحب ، لأدخل البهجة إلى القلوب ، أدخلوا أيها السادة لتروا الفتاة التي تحبكم ، مقابل فلسين فقط ، وقفت بجواره سيدة ترتدي ملابس راقصة مسرح تلوح بجرس ، بينما هو يقرع الطبول .كان الناس مترددين ، فرؤية المرأة التي تحبنا قلمًا ما يثير الانفعال ، أما أنا فقد وجدت ما يتوق إليه قلبي ، وضعت قدمي على أول لوح خشبي ، فإذا بشخص ما يستوقفني كان رجلا طويل القامة يرتدي قفازين وبنطالًا رثا ، خاطبني قائلًا سيدي إنني صديق الشعب ، يؤسفني أن أرى شابًا كريمًا مثلك يعطي للحشد مثالًا سيئًا ، من المؤسف أن تشجع ذلك الشقي الذي يراهن على أسوأ ما لدينا من غرائز وتجعله يمعن في صفاقته .ولكني أدرت له ظهري وصعدت إلى المنصة ، دخلت وتركت الستائر تنسدل خلفي ، كان المكان أشبه بقاعة طويلة ضيقة خالية من أي مقعد وكان المكان مليء بالشبان والفتيات ، توقفت لفترة أراقب الحشود وكانت مرآة الحب ما هي إلا مرآة عادية بوجهين ، ترى أي أفكار جميلة كانت تتدفق داخل تلك الرؤؤس المجنونة .أخيرًا تقدمت لأنظر داخل المرأة لأرى المرأة التي تحبني ، ظهرت أمامي امرأة متكئة إلى أريكة ترتدي فستانًا أبيض طويلًا يضيق قليلًا عند الخصر تجره خلفها ، وكانت عيناها الزرقاوات تنظران نحوي ، وضعت ثلاث أصابع على شفتيها وأرسلت لي قبلة ، وحين رأيت أنها لن تتبخر طبعت ملامحها في ذاكرتي وانصرفت .كان صديق الشعب مازال يقف هناك ، سرت بين الحشود عازمًا على أن أجد المرأة التي تحبني بعد ما صرت أعرفها ، صرت بين الحشود تائهًا وجدت أمام أحد الأعمدة صديق الشعب غارقًا في تأملاته ، بادرني مجددًا زيت المصابيح يكلف ثلاثمائة وأربعة وثمانون فرانكًا ، والشعب لا يجد الخبز الحكومة تقيم تلك المهرجانات الباهظة حتى ينسي الشعب فقره.تركته وانصرفت حين انطفأت أخر المصابيح ، واقترب الصباح لمحتها أنها المرأة التي تحبني ، ولكنها كانت فتاة مسكينة ترتدي ملابس قطنية مزركشة بهتت ألوانها ، تسمرت لحظة ثم أمسكت يدها فقالت لي الجو بارد دعنا نمشي ، سألتها : هل عرفتني ، أجابت : لا ، سألتها مجددًا : أين نذهب أجابت بعدم اكتراث : أينما شئت في بيتي أو في بيتك ..واصلنا المشي فاقترب منها ثلاثة شبان وصاحوا سيدي هذه السيدة تخدعك ، إنها المرأة التي تحبني ، شعرت بقطرات عرق باردة على صدغي ، وحاولت أن أهرب ، فبادرتني قائلة : إنني فقيرة وأبذل ما في وسعي لتوفير قوتي ، في الشتاء الماضي كنت أقضي خمس عشرة ساعة منكبه على منوال الحياكة ولم يكن لدي خبز .في الربيع رميت إبرة الحياكة من النافذة وجدت عملا أقل تعبا ، أرتدي كل مساء الثوب الأبيض ، وأجلس وحيدة في حجرة ضيقة ، تقتصر وظيفتي على الابتسام وبين الحين والآخر أتكرم بانحناءة أو أرسل قبلة ، واتقاضي ثلاثة فرنكات ، أرى دائمًا عيون تنظر باتجاهي أحيانا ينتابني الذعر لرؤيتها وأشعر برغبة في الصراخ أو الهرب ، لكن لابد أن أعمل لأعيش .