لم أكن أتصور يومًا أن التباس الحق بالباطل ، قد يفني الحق تمامًا ويجعله إثم كبير مثلما حدث في رواية أرض العميان للكاتب الرائع هربرت جورج ويلز ، حينما ساقت الأقدار أحد المبصرين إلى أرض العميان ، فحاول أن يعيش بينهم ملكًا لأنه المبصر الوحيد .ولكنهم لم يعترفوا بوجود ذلك البصر الذي يدعيه الوافد الغريب ، وحاولوا نزع عينيه فأصبح أمام خيارين لا ثالث لهم ؛ إما أن يبقى ويصبح مثلهم أو يهرب إن استطاع ، فالمبصر في أرض العميان إمعة لا وزن لها .نبذة عن الكاتب :
يعد هربرت جورج ويلز أحد رواد أدب الخيال العلمي الذي جمعت رواياته بين الانتقادات الاجتماعية الهادفة وحس المغامرة ، ولد عام 1866م بانجلترا وتوفي عام 1946م ، ومن أهم أعماله آلة الزمن ، الرجل الخفي ، وجزيرة الدكتور مورو .قصة رواية أرض العميان :
حينما طغى الأسبان وكثرت جرائمهم في بيرو فر مجموعة من المهاجرين بأنفسهم عبر جبال الإنديز ، ولكن حدثت انهيارات صخرية كبيرة في جبال الإنديز عزلت هؤلاء القوم في وادٍ بعيد عن بقية العالم ، فعاشوا به إلى أن انتشر فيهم مرضٌ غريب أصابهم جميعًا بالعمى ، وقد فسروا ذلك بكثرة الخطايا التي ارتكبوها .وهكذا ظل هؤلاء القوم يعيشون جيلًا بعد جيلًا في ذلك الوادي البعيد ، وهم يتوارثون العمى ويورثونه إلى أبنائهم ، إلى أن ساقت الأقدار المستكشف البريطاني نيونز ، وهو خبير في تسلق الجبال كان في رحلة استكشافية مع مجموعة من الأصدقاء ، ولكن لسوء حظه انزلقت قدمه وسقط من أعلى إلى ذلك الوادي النائي .حتى ظن أصحابه أنه مات ، فلم يكونوا على علم بوجود وادي العميان الأسطوري ، لكنه لم يمت وسقط على وسادة من الثلج أنقذت حياته ، وحينما بدأ المستكشف الغريب المشي في ذلك الوادي رأى مدينة مبنية بشكل غريب ، يخلو من التنظيم وألوان بيوتها فاقعة ومتعددة ، وتخلو من أي نوافذ فتعجب من ذلك .واكتشف أن تلك المدينة التي يسير بها هي مدينة للعميان ، فأخذ يخبرهم عن نفسه ومدينته التي جاء منها ، وأن الناس فيها مبصرون فتعجبوا ماذا يقصد بالبصر ، فحاول إفهامهم ولكن دون جدوى ، ظنوا أنه مجذوب يهذي حدثهم كثيرًا عن جمال الدنيا وتنوع الألوان وحاول وصفها لهم ، ولكنهم لم يستمعوا له واتهموه بالجنون .وبعد أن فشلت كل محاولاته بإقناعهم أنه الأفضل ، ويمتلك ما لا يمتلكون قرر الهرب ولكن فشل فعاد إليهم معتذرًا وأنكر كل ما قاله عن البصر حتى يسامحوه ويسمحوا له بالعيش معهم ، فصفحوا عنه بعد أن قاموا بجلده ثم كلفوه ببعض الأعمال .وفي هذا الوقت بدأ قلبه ينبض بالحب لفتاة جميلة من العميان ، لكن على عكس نظرته كانت نظرة العميان ، فقد كان يعتبرونها قبيحة جدًا لأن أنفها مدبب وأهدابها طويلة ، وحينما تقدم الشاب للزواج من والدها وقع الأب في حيرة ، أيزوجها من ذلك المجذوب الذي يعد في مرتبة أقل منهم جميعًا ، أم يترك ابنته القبيحة دون زواج !لذا طلب رأي الحكماء في ذلك ، فجاء رأيهم قاطعًا أن الفتى لديه عضوين غريبين بوجهه يقعان فوق أنفه ، هو يسميهما العينين وهما من أتلفا عقله ، لذا يجب نزعهما حتى يصير الفتى كاملًا عاقلًا مثلهم ، وبعدها يمكنه أن يتزوج الفتاة .بالطبع رفض الفتى أن يضحي بعينيه في البداية وملأ الدنيا صراخًا ، ولكن الفتاة التي تحبه ارتمت بين أحضانه وأخذت ترجوه أن يفعل ، وهكذا أصبح العمى هو شرط الزواج واكتمال المواطنة في ذلك المجتمع النائي .فرضخ الشاب وخرج لأخر مرة يودع العالم الساحر بجماله ، وأنهاره الزرقاء ووديانه الخضراء ، وسطوع شمسه الصفراء ولكنه توقف لبرهة ، وأخذ يفكر في كل شيء فانتصر بداخله حب الحياة وقرر الهرب للمرة الأخيرة ، وبالفعل استطاع فعل ذلك ونجا بنفسه بعيدًا عن مدينة العميان .