كان هناك خمسة وعشرون جنديًا من الصفيح جميعهم أخوة أشقاء ، لأنهم صنعوا من صفيح ملعقة واحدة ، حملوا بنادقهم في أذرعهم ووجوههم مصوبة إلى الأمام ، أما زيهم الجميل فكان باللون الأحمر والأزرق .نبذة عن المؤلف :
من روائع قصص الأطفال الدنماركية المترجمة ، للكاتب العالمي هانس كريستيان أندرسن ، وهو من أشهر الكتاب الدانماركيين ، وقد لقب بشاعر الدانمارك الوطني ، ولد عام 1805م وتوفي عام 1875م .الكلمة الأولى التي سمعوها في هذا العالم ، عندما فتح غطاء العلبة حيث كانت هي : ياااه إنهم جنود من الصفيح ، والتي قالها الولد الصغير صائحًا ، وصفق بيديه كانت هي هدية عيد ميلاده .جندي الصفيح الصامد :
وضع الولد الجنود على الطاولة ، وقد شابه كل جندي منهم الآخر عدا واحدًا فقط ، الذي كان مختلفًا بعض الشيء كانت له ساق واحدة ،لأنه كان آخر من صنع ولم يكن هناك من الصفيح ما يكفي له ، ولكنه وقف ثابتًا في مكانه على ساق واحدة تمامًا مثل الآخرين الذين وقفوا على ساقين اثنتين ولكنه وحده الذي سيثير العجب .القلعة :
كان على الطاولة التي اصطف عليها الجنود ، والكثير من الألعاب ولكن الذي وقعت عليه العين ، كانت قلعة رائعة من الورق ، يمكن للمرء أن يرى ما في داخلها من خلال نوافذها الصغيرة ، وكان خارجها أشجار تحيط بمرآة صغيرة ، كانت بمثابة بحيرة تسبح فيها بجعات من الشمع ، انعكست صورها على سطح المرآة .راقصة الباليه والجندي الصفيح :
كل شيء بدا رائعًا ، ولكن الأكثر روعة كان شابة صغيرة ، وقفت عند باب القلعة ، كانت هي الأخرى قد قصت من الورق ، ترتدي تنورة من الكتان الصافي ، وحزامًا رفيعًا أزرق على كتفيها كوشاح في منتصفه حلية صغيرة لامعة كبيرة بحجم وجهها بأكمله ، وكانت الشابة الصغيرة تمد يديها لأنها كانت راقصة باليه ، كما كانت ترفع إحدى ساقيها عالياً جدًا في الهواء ، لذا لم يكن بمقدور جندي الصفيح رؤيتها وظن أنها بساق واحدة مثله .تفكير الجندي الصفيح في الزواج :
فكر جندي الصفيح : إنها تصلح زوجة له ، ولكنها تبدو ذات مقام رفيع وتسكن في قلعة أما أنا فليس لدي غير علبة ، أتقاسمها مع أخوتي الجنود وهو مكان لا يليق بها ، ومع هذا فيجب أن أتعرف عليها ، واستلقى على طاوله خلف علبة التبغ التي كانت ملقاة على الطاولة ، كان يمكنه من هناك رؤية تلك الفتاة الرقيقة بشكل أفضل ، والتي كانت لا تزال واقفة على ساق واحدة دون أن تفقد توازنها .حلول المساء والألعاب المتحركة :
عندما حل المساء دخل الجنود في علبتهم ، وذهب الناس في البيت إلى النوم بدأت ألاعب الأطفال باللعب ، لعبة الغريب ، لعبة الحرب ، وأقامت حفلًا راقصًا ، وقد صلصل جنود الصفيح في علبتهم ، لأنهم كانوا يرغبون بمشاركة الألعاب في لعبهم ، ولكنهم لم يتمكنوا من رفع غطاء العلبة ، كانت كسارة البندق أخذت تتشقلب في الهواء ، والطبشور بدأ يلعب ويهرج على اللوحة .الجميع يرقص ويتحرك :
لقد أحدثوا ضجة جعلت طير الكناري يستيقظ من نومه ، ويبدأ الحديث معهم ولكن بكلام مقفى ، الوحيدان اللذان لم يتحركا من مكانيهما ، كانا جندي الصفيح وراقصة الباليه التي بقيت منتصبة على طرف إبهام قدمها، بينما يداها ممدودتان ، والجندي كان ثابتا في مكانه على ساق واحدة ، ولم تفارق عينه الفتاة لحظة .العفريت وجندي الصفيح :
دقت الساعة الثانية عشر فقفز غطاء علبة التبغ ، لم يكن هناك تبغ في العلبة بل كان هناك عفريت أسود صغير ، ويا للعبة من قطعة فنية جميلة … أنت يا جندي الصفيح ألا تغض الطرف عنها ، ولكن جندي الصفيح تصنع عدم السمع لما قاله العفريت ، فقال له العفريت : حسنًا إذن سترى في الغد ، وعندما حل الصباح واستيقظ الأطفال وضع جندي الصفيح عند النافذة ، أكان العفريت أم تيار الهواء هو الذي فتح النافذة فجأة .سقوط الجندي من النافذة :
فاندفع جندي الصفيح مرة واحدة وسقط على رأسه من الطابق الثالث ، حدث ذلك بسرعة مخيفة ، فوقف على قلنسوته ، وتعلقت ساقه في الهواء بينما استقرت سكينه ذات الحدين بين حجر الرصيف.الجندي الصفيح والمتشردان والإبحار :
نزلت الخادمة والولد الصغير في الحال للبحث عنه ، وبالرغم من أنهما قد أوشكا أن يدوسا عليه ، فلم يتمكنا مع هذه من رؤيته ، لو كان صاح : أنا هنا لوجداه بالتأكيد ولكنه لم يجد في الصراخ العالي أمراً يليق به ، وهو يرتدي الزي العسكري .بدأت قطرات المطر تتوالى الواحدة بعد الأخرى ، كان المطر غزيرًا جدًا وعندما توقف المطر ، مر ولدان متشردان فقال الأول : أنظر هناك جندي صفيح !! لنجعله يبحر وصنع المتشردان قاربًا من ورق جريدة ، ووضعا جندي الصفيح فيه وراح القارب مبحرًا به ، في مجرى تصريف المياه في الشارع ، والولدان المتشردان يركضان معه ، ويصفقان بأيديهما ، ويا إلهي أية أمواج عاتية كانت وأي تيار قوي فقد كان المطر غزيرًا جدًا .جندي الصفيح الصامد :
وصعد القارب الورق ، ونزل واستدار فجأة بسرعة كبيرة ، اهتز لها جندي الصفيح ولكنه بقى ثابتًا لم يرف له جفن ينظر إلى الأمام ، ويحمل بندقيته في ذراعه ، وبلحظة انجرف القارب في فتحة تصريف المياه تحت الأرض ، إلى النفق وصار الجو مظلمًا كما لو أنه قد دخل العلبة ، فكر جندي الصفيح : يا ترى أين سأصل ! .إنه فعل العفريت ولا شك ! يا لحسرتي .. لو كانت الشابة الصغيرة هنا في القارب معي ، لما كنت سأهتم حتى لو كانت الظلمة مضاعفة ، وجاء بالحال جرذ ماء كبير وسأله: هل لديك جواز سفر ، هيا أرني جواز سفرك .الماء والاندفاع بقوة عارمة :
لكن جندي الصفيح التزم الصمت ومسك بندقيته بقوة ، انطلق القارب ، وجرذ الماء يتبعه وهو يصر على أسنانه الحادة ، وصاح على العيدان والقش : أوقفوه ، لم يدفع ضريبة ولم يبرز جواز سفره .ولكن التيار صار أقوى وأقوى ، وصار بإمكان جندي الصفيح الآن لمح ضوء النهار ، من خلال فتحة المجاري إلى الشارع ، ولكنه سمع حينها أيضًا صوت خرير ماء مندفع بقوة ، يجعل أشجع الجنود يرتعد إذ كان الماء يندفع في نهاية فتحة المجاري ، بقوة عارمة خارجًا إلى قناة كبيرة .صمود شديد :
وقد كان الإبحار خطيرًا جدًا بالنسبة عليه ، كما لو كنا نحن قد أبحرنا في شلال كبيرة ، وقد اقترب الجندي كثيرًا من القناة ، حتى لم يعد بإمكانه إيقاف القارب الذي اندفع به ، وبقى جندي الصفيح المسكين جامدًا ، قدر استطاعته فلا يجب أن يرمش له جفن .أغنية مواجهة الموت :
استدار القارب ثلاث أربع مرات ، وكان مملوءًا بالماء حتى الحافة يوشك على الغرق ، والجندي واقف وسط الماء الذي وصل حتى رقبته ،غرق القارب أعمق وأعمق ، وأخذ ورق الجريدة يذوب ويذوب حتى وصل الماء إلى رأس جندي الصفيح ، حينها فكر براقصة البالية الرقيقة ، التي لن يراها بعد الآن فوصل رنين أغنية لعبة يلعبها الأطفال إلى أذنه ، هي : انطلق أيها المحارب ستواجه الموت يومًا .جندي الصفيح في بطن السمكة :
تمزق ورق القارب ، وسقط الجندي في الماء ، وعلى الفور ابتلعته سمكة كبيرة ، ويا لها من ظلمة حالكة في الداخل ، كانت أشد ظلمة من المكان داخل المجاري تحت الأرض ، كما أن المكان هنا ضيق ولكن رغم هذا بقى الجندي ممددًا على طوله وبندقيته في ذراعه ، اندفعت السمكة سابحة في الماء ، بحركات مضطربة شتى حتى سكنت أخيرًا ، حينها اخترقها ضوء مثل شعاع برق لمع بصفاء وصاح حينها شخص ما: ما هذا جندي صفيح ؟!العودة إلى البيت :
كان ذلك بعد أن تم صيد السمكة ، وبيعها في السوق ومن ثم وصولها إلى المطبخ ، حيث قطعتها الطباخة بسكين كبيرة ، وأخرجت جندي الصفيح بإصبعيها من خصره وحملته إلى غرفة المعيشة ، حيث كان الكل بانتظار رؤية هذا الجندي العجيب الذي قطع الرحلة هذه في بطن سمكة .راقصة الباليه الرقيقة الصامدة :
ولكن جندي الصفيح لم يكن فخورًا إطلاقًا ، وضع على الطاولة ويا لغرابة هذا العالم فقد عاد جندي الصفيح إلى غرفة المعيشة نفسها ، التي كان فيها من قبل ورأى نفس الأطفال والألعاب على الطاولة ، القلعة الرائعة التي صنعت من الورق ، وراقصة الباليه الرقيقة التي ما زالت تقف على ساق واحدة وترفع الأخرى في الهواء ، كانت هي أيضًا صامدة في مكانها .جندي الصفيح الصامد والموقد المتوهج :
بدا جندي الصفيح متأثرًا جدًا ، وكادت دمعة من الصفيح أن تنزل على خده ، ولكن هذا لا يعد ملائمًا ، نظر إليها ونظرت إليه ، ولكنهما لم يقولا لبعضهما شيئًا ، وأمسك ولد من الأولاد الصغار في لحظة ، بجندي الصفيح ورماه في الموقد ولم يذكر السبب لفعله هذا ، وبالتأكيد إن العفريت كان وراء هذا العمل .وقف الجندي متوهجًا شاعرًا بحرارة ساخنة ، لم يكن يعرف إن كانت بسبب النار أم الحب كما إن ألوانه اختفت هي الأخرى تمامًا ، ولا يمكن القول أن ذلك قد حدث أثناء السفر أو بسبب حزنه .الجندي وراقصة الباليه والنهاية :
أخذ الجندي ينظر إلى العذراء الصغيرة ، وهي تنظر إليه فشعر بأنه يذوب ولكنه كان لا يزال واقفًا ثابتًا في مكانه ، وبندقيته في ذراعه ، حينها انفتح الباب فجأة وعصفت الريح براقصة الباليه ، فطارت مثل فتاة رشيقة هيفاء إلى الموقد عند جندي الصفيح ، اشتعلت ثم انطفأت واختفت وذاب جندي الصفيح وصار بقعة صغيرة .رماد وقلب صغير وحلة :
جاءت الخادمة في اليوم التالي ، لتجمع رماد الموقد ، فوجدت الجندي وقد صار قلبًا صغيرًا من الصفيح ، أما راقصة البالية فلم يتبق منها إلا الحلية الصغيرة ، التي كانت قد تفحمت .