البحث عن مصاص الدماء .. (1) اقتفاء الأثر



لا أظن مخلوقا نال من الشهرة والشعبية كتلك التي نالها مصاص الدماء (Vampire)،

لاسيما في عصرنا الحاضر حيث حمله الأدب والفن إلى أقصى بقاع الأرض فصار وجوده لازمة ضرورية لثقافة الرعب المعاصرة وأصبح أسمه مثارا لجدل لا ينتهي حول حقيقة وجوده وكينونته.

وقد نالت صفحات موقعنا – كـابوس - حصتها من هذا الجدل البيزنطي العقيم، وهو أمر لم يخل من فائدة،

لأنه زاد من حماسنا للمضي في رحلة بحث طويلة نفتش خلالها شواهد القبور المتآكلة في الجبانات القديمة المنسية،

ونحلق فيها بأجنحة الخيال فوق قمم البلقان الشاهقة حيث نشئت الأسطورة وترعرعت، ونقلب بشغف أوراق محاضر بعض اغرب جرائم الدم وأبشعها ...

ذلك كله من أجل تقديم مقالة مشوقة تحوي معلومة مفيدة وحكاية فريدة تحملك معها عزيزي القارئ إلى عالم آخر حيث الدم هو الحاكم والطاغي.

للدم تاريخ .. وهو بالتأكيد تاريخ طويل يعود في جذوره إلى حقب وعصور ضاربة في القدم، إلى الجريمة الأولى التي أقترفها الإنسان حين تغلبت نوازع الشر والكراهية على عوامل الخير والمحبة في نفسه فحملته على سفك دم أخيه الإنسان، ومذ تلك اللحظة تدفق ذلك السائل الأحمر القاني بلا توقف كالشلالات حتى أصبح لونه رمزا للعنف، وفقدانه رديفا للوهن والضعف، وشربه كناية عن استلاب قوة الخصم والسيطرة على روحه .. ومن هنا ظهرت أساطير الآلهة والأشباح والعفاريت التي لا يروي ظمأها سوى الدم والتي تميز كل منها بصفات وقدرات خارقة منحصرة به؛ لكن التفاعل الحضاري بين الأمم، من خلال التجارة والأدب والحرب، مزج بين سمات هذه الكائنات الخرافية وصهرها معا في بوتقة شخصية مصاص الدماء التي نعرفها اليوم. لهذا يخطئ من يظن بأن الأسطورة بدئت في القرن الخامس عشر في رومانيا، وأن الكونت دراكولا كان قديس الدم الأول، فجذور الأسطورة أقدم من ذلك بكثير. لهذا وكمقدمة لهذا البحث، ارتأينا أن نمضي في رحلة بحث ننقب خلالها عن تلك الجذور القديمة المتوارية بين الظلال الداكنة والمتموجة لأحراش القصب والبردي الكثيفة الممتدة على ضفاف النيل والفرات والغانج .. الخ حيث الحواضن الأولى لحضارة بنو البشر.

وحوش الدم الأولى

سخمت (Sekhmet

– مصر القديمة - : من أقدم الربات الفرعونية، كانت أقداح النبيذ الأحمر تسكب كالأنهار في مهرجانها السنوي من أجل إشباع رغبتها العارمة للدماء؛

صورها المصريون القدماء في هيئة امرأة برأس لبوه. كانت حامية الفرعون في الحروب،

خلقها آله الشمس رع لتدمر أعداءه في مصر السفلى – الوجه البحري -، لكنها أسرفت في قتل الناس حتى كادت أن تبيد الجنس البشري،

وللجم شهوتها المنفلتة للدماء قام الإله رع بتحويل مياه النيل إلى اللون الأحمر فكرعت منه حتى أطفئت ظمأها، ومذ ذلك الوقت أصبح اصطباغ النهر باللون الأحمر

– بسبب اختلاط ماءه بالطمي الأحمر

– حكاية عن تعطش سخمت للدماء ورأفة الآلهة بالبشر.

ليليث (Lilith

– ما بين النهرين - : ليليتو في السومرية، شيطانه شريرة ربطها الأكاديون والأشوريون بالعواصف والرياح التي تحمل المرض،

صوروها في هيئة امرأة جميلة ذات شعر طويل تفتك بالنساء الحوامل والأطفال،

تمتص الحياة والدماء من أجسادهم، وتشتهي الرجال فتعمد إلى إغوائهم وتظهر في أحلامهم وكوابيسهم وربما جعلتهم يمرضون؛ ومثل مصاص الدماء الذي نعرفه اليوم،
ارتبطت ليليث بالليل، وعلى الأرجح فأن أسمها مشتق من مفردة (lily

الأكادية والتي تعني الليل.

ولاحقا خلال سبي الملك الكلداني نبوخذنصر لليهود (3) انتقلت أسطورتها من الفلكلور البابلي إلى التوراة حيث صورتها كعفريتة شريرة.

إيدميو (Edimmu

– ما بين النهرين - : نوع أخر من العفاريت التي عرفها السومريون واعتقدوا بأنها أرواح أثيرية شريرة تعود لموتى لم يدفنوا بصورة صحيحة ولائقة. هذه الأرواح الحاقدة تتنقل من مكان إلى آخر مع الريح لتصب جام غضبها على الأحياء، تحمل إليهم الأمراض والأفكار الفاسدة، وقد تتقمص أجساد أولئك الذين ينتهكون المحرمات والمقدسات، وتمتص الحياة من الأطفال خلال نومهم في الليل. ولتسكين غضبها ودرء شرها كان القدماء يقدمون لها النبيذ والأطعمة الجنائزية.

كالي (Kali

– الهند - : ربة الزمن والتغيير التي غالبا ما يربط الهندوس بينها وبين الموت - مرور الزمن ينتهي بالموت حتما –، تتخذ تماثيلها في المعابد هيئة امرأة ذات بشرة زرقاء وشعر أسود طويل، لها أربعة أيدي، اثنتان على اليسار تحملان سيفا يقطر دما ورأسا بشرية فيما اليدين الأخريين في الجهة اليمنى تكونان مبسوطتان دلالة على أن الربة تحمي وتعطف وتغفر لأولئك الذين يخلصون عبادتها.

أصنام كالي غالبا ما تكون عارية، تطوق رقبتها قلادة كبيرة من الرؤوس البشرية، ويمتد من فمها لسان طويل يشبه لسان أفعى، وقد تبرز أنيابها لتضفي عليها مزيدا من الرهبة.

وبحسب المعتقدات الهندوسية فأن الربة كالي ذهبت برفقة الربة دوركا لمحاربة وقتل العفريت راكتباجي، المعركة كانت في غاية الشراسة، فالعفريت الشرير كان يعيد إنتاج نفسه مع كل قطرة دم تسقط من جسده، لهذا عمدت كالي إلى لعق الدم المتساقط من جروحه النازفة حتى امتصت دمه كله، فتمكنت الربتان من قتله.

جوريل (Churel) – الهند - : حسناء جميلة ترتدي ساري - ثوب هندي تقليدي ترتديه النساء - أبيض أو أحمر وتعيش بالقرب من العيون والسواقي، يمكن التعرف عليها عن طريق أجسادها التي لا تعكس النور،أي لا ظل لها، ولسانها الأسود الطويل وقدماها المقلوبتان إلى الوراء، فالأقدام المقلوبة، أي الأصابع إلى الخلف والكعب إلى الأمام، هي من أبرز سمات الأشباح الهندية (Bhoot ).

بحسب الأساطير الهندية، الجوريل هي روح تعيسة لامرأة ماتت بسبب نزف مرتبط بممارسة الجنس أو الحمل والولادة، لهذا تكره هذه العفريتة الرجال بصورة عامة والشباب منهم خاصة! فهي تعتبرهم سبب موتها وتسعى للانتقام منهم، وعادة ما يكون حبيبها الأخير في حياتها هو أول ضحاياها، وهي لا تنفك تغوي وتخدع الرجال في البقاع النائية والمهجورة لتجهز عليهم وتمتص دمائهم حتى آخر قطرة.

راكشاسا (Rakshasa

– الهند - : عفاريت يقال بأنها سكنت أرض الهند منذ أقدم العصور، قبل ظهور البشر بفترة طويلة. وهي كائنات مخيفة ذات قدرات خارقة تتيح لها تقمص أشكال وهيئات مختلفة، فيمكنها أن تتلون للبشر في صورة حيوان أو امرأة جميلة، وهي تعشق لحم ودم البشر، خصوصا الأطفال الصغار. ومثل مصاصي الدماء، تختبئ هذه العفاريت في المقابر أثناء النهار وتنشط في الليل حيث تكون في أوج قوتها، كما قد تتلبس أجساد الموتى في بعض الأحيان.

براهماباروشا (Brahmaparusha

– الهند - : من أكثر العفاريت إثارة للرعب، فهذه المخلوقات البشعة تلف أمعاء ضحاياها حول رأسها كالعمامة!. وهي تحمل معها دوما جمجمة بشرية تستخدمها كالكأس لاحتساء دماء البشر الذين تصطادهم، وحين تنتهي من شرب الدم حتى آخر قطرة، تقوم بالتهام الدماغ وتستخرج الأمعاء والأحشاء لتلفها حول رقبتها وتبدأ بالرقص حول الجثة.

فيتالا (Vetala

– الهند - : هي أرواح هائمة في البرزخ لم تستطع العثور على طريقها إلى العالم الآخر بسبب دفنها بصورة غير لائقة، ولأنها ضائعة ما بين عالمنا والعالم الآخر، يكون إحساسها بالزمن معدوم. وغالبا ما تتقمص جثث الموتى في المقابر لإثارة الرعب في قلوب الأحياء، فتسبب الجنون للبعض وتجهض لرؤيتها الحوامل، وهي لا تتورع عن قتل الأطفال الصغار إذا ظفرت بهم. وكما في أسطورة مصاص الدماء، فأن الجثة التي تتلبسها هذه الأرواح الشريرة تتوقف عن التحلل والتعفن، ولا يمكن التخلص منها إلا عن طريق إعادة دفن الميت بصورة صحيحة.

جيانك تشي (Jiang Shi

– الصين وكوريا واليابان - : كائنات مرعبة رهيبة تجمع بين صفات مصاصي الدماء و الزومبي؛ تدعى كانكشي في كوريا وكيونشي في اليابان، ومعناها "الجثث المتخشبة أو المتيبسة". وهي أرواح موتى بقيت حبيسة داخل جثثها لأسباب شتى، كالانتحار أو التعرض للقتل .. وفي هذه الحالات، أي عندما تفشل الروح في مغادرة الجسد الميت، فأن الجثة تتحول إلى جيانك تشي، وتبدأ في التغذي على الأحياء.

ويختلف شكل وهيئة الجيانك تشي بحسب سرعة التحول، فالجثث التي تتحول سريعا تكون أجسادها سليمة تقريبا ولذلك يصعب تمييزها عن البشر العاديين، لكن معظم الجثث تحتاج لفترة طويلة حتى تتحول، لهذا يكون منظرها بشعا ومخيفا، أجسادها شاحبة متحللة يغطيها العفن والطحلب الأخضر، شعرها أشعث أبيض ولسانها طويل أسود، يداها طويلتان تنتهيان بأظافر مدببة حادة كمخالب الحيوانات المفترسة، وهي تمشي بالوثب على رجل واحدة. وبحسب الخرافة فأن الإنسان بإمكانه الإفلات من قبضة هذه المسوخ الشريرة عن طريق حبس أنفاسه، لأنها عمياء تماما تعتمد على حاسة السمع فقط في ملاحقة وإمساك ضحاياها، وكما في أسطورة مصاصي الدماء الأوربية، فأن رمي بعض أشياء الصغيرة، كالأحجار أو فتات الخبز، في قبور الجيانك تشي سيمنعها من مطاردة البشر لأنها ستنشغل عنهم بحساب تلك الأشياء مرارا وتكرارا.

الغول – الشرق الأوسط - : هي كائنات الرعب الأشهر في التراث العربي والتي لا يزال صداها يتردد حتى اليوم في حكايات الأمهات والنساء العجائز في مختلف البلدان العربية، وهي تروى لتخويف وترويع الأطفال الصغار لكي يكفوا عن اللعب والشقاوة ويخلدوا إلى النوم. ويقال بأن الغول هي من أجناس الجن، وهي مؤنثة لدى البعض ومذكرة لدى آخرين، فيما زعم فريق آخر بأنها من سحرة الجن وذلك لقدرتها على التغول، أي التلون بأشكال وصور شتى من أجل الاحتيال على البشر واستدراجهم إلى مهاوي الهلاك. وهناك روايات عن الغول التي تسكن المقابر وتتغذى على لحوم الموتى، وهي لا تتوانى عن التهام لحوم الأحياء أذا ظفرت بهم. ويعتقد بعض الباحثين في الفلكلور بأن جذور خرافة الغول تعود إلى العفريت غالو (Gallu )، وهو أحد عفاريت العالم السفلي في الأساطير السومرية.

السعلاة – الشرق الأوسط - : مخلوقة خرافية من التراث العربي، يقال بأنها من الجن وهي أنثى الغول، وهي قاتلة بشعة اشتهرت عند العرب في قدرتها الفائقة على التحول إلى هيئة امرأة فاتنة الجمال تكمن للمسافرين عند مفترق الطرق في المناطق المهجورة والنائية لتغويهم وتتلاعب بهم حتى تهلكهم فتأكلهم وتشرب دمائهم.

سيواتيتيو (Cihuateteo

– أمريكا الوسطى - : هي روح امرأة ماتت أثناء الولادة بحسب معتقدات الازتك، وهذه الروح الشريرة تسكن عند مفترق الطرق، تسرق الأطفال الصغار من أمهاتهم أثناء الليل، وتنشر الأمراض وتسبب الجنون للرجال، وقد صورها الازتك في هيئة امرأة مخيفة لها رأس هو عبارة عن جمجمة عظمية ولديها مخالب نسر في يديها.

تالابوتشي (Tlahuelpuchi) – أمريكا الوسطى - : هم مزيج بين السحرة ومصاصي الدماء، وهم في الحقيقة بشر عاديون، لكنهم يولدون مع لعنة أزلية لا يمكن الخلاص منها. ولأنهم ولدوا بصورة طبيعية لذلك يصعب التعرف عليهم وتمييزهم، ويستمرون بالعيش مع عائلاتهم كأطفال عاديين حتى يكتشفوا حقيقة ما هم عليه في وقت ما عند سن البلوغ. وحين يكتشف تالابوتشي ذاته فأنه يبدأ في الحال بالبحث عن ضحاياه، إذ يجب عليه أن يشرب الدم لمرة واحدة شهريا وإلا مات.

غالبية التالابوتشي من النساء، ولديهن القدرة على التحول والتلون في صور وأشكال شتى، لكنهن يفضلن هيئة النسر والعقاب. التالابوتشي يحوم طائرا فوق منزل ضحيته أولا، إذ عليه تأدية بعض الطقوس السحرية ليتمكن من دخول المنزل، وهو في العادة يفضل الأطفال الصغار لكنه قد يهاجم الكبار أيضا، يمتص دمائهم حتى الموت. وبحسب المعتقدات في المكسيك فأن البصل والثوم والحديد لها تأثير كبير في صد هجمات التالاباتشي.

تشوباكابرا (Chupacabra

– الأمريكيتين - : مخلوق بشع تختلف أوصافه من منطقة إلى أخرى في أمريكا، له وجه حيوان قارض أو كلب، أنيابه طويلة ومعقوفة للداخل، جلده رمادي ضارب إلى الزرقة يعلو ظهره صف من الأشواك المسننة المنحدرة من أعلى الرأس وحتى نهاية الذنب. وهو يمشي على أربع لكن بإمكانه الانتصاب كالكنغر، طوله يتراوح بين 1 – 1.2 متر.

طالما أثار التشوباكابرا ذعر المزارعين بسبب مهاجمته لحيواناتهم الأليفة وكذلك بسبب طريقته الوحشية في القتل، فهو مصاص دماء حقيقي، ينشب أسنانه الحادة في صدر ضحيته ثم يبدأ بمص الدم حتى أخر قطرة.

ادزي (Adze

– أفريقيا - : أرواح شريرة أعتقد شعب الإوي في غينيا بأنها تمتص دماء الناس أثناء نومهم في الليل، وهي تتنقل من مكان إلى آخر على شكل يراعة مضيئة، لكنها قد تتلبس جسدا بشريا. وغالبا ما تحوم الشكوك حول الأشخاص الحسودين والغيورين في كونهم ادزي.

أوبايافو (Obayifo

– أفريقيا -: هذه الأرواح الشريرة شائعة جدا بحسب معتقدات شعب الأشانتي في غرب أفريقيا، فهي تتقمص أجساد الناس العاديين، وأحيانا قد تحل في أجساد الحيوانات لتفترس البشر. وهي تتحرك ليلا في شكل كرة مضيئة تنساب إلى داخل الأكواخ لتمتص الدماء من أجساد الأطفال.

امبوندولو (Impundulu

– أفريقيا -: مخلوق خرافي بهيئة طائر كبير يبرق ويرعد حين يحرك جناحيه ومخالبه. وبحسب فلكلور قبائل الزولو والبونو في جنوب أفريقيا، يكون الإمبوندولو خادما للسحرة يرسلوه للقضاء على أعدائهم، وهو يتميز بولعه وشهيته المفتوحة للدماء، وقد يتخذ هيئة شاب وسيم لإغراء وخداع النساء.

ايمبوسا (Empusa

– الإغريق - : من أنصاف الآلهة الإغريقية، ابنة الربة هيكاته، آلهة السحر ومفترق الطرق. أسمها يعني "ذات القدم الواحدة"، اشتهرت بإغوائها للرجال، تستدرجهم وتستمتع بالتهام أجسادهم وامتصاص دمائهم.

لاميا (Lamia

– الرومان - : حفيدة بوسيدن، آله البحر في الميثولوجيا الإغريقية والرومانية. بحسب الأسطورة القديمة فأن لاميا كانت ملكة ليبيا الامازيغية، ويقال بأنها دخلت في علاقة غرامية مع الإله زيوس انتهت بإنجابها عدة أطفال في السر، وقد أدت هذه العلاقة إلى غضب الربة هيرا – زوجة زيوس وأخته – فعاقبتها على علاقتها مع زوجها بقتل أطفالها أمام عينيها، الأمر الذي دفعها إلى حافة الجنون، ومنذ ذلك الحين صارت تقتل وتلتهم أطفال البشر وتمتص دمائهم.

سترجيز (Striges

–الرومان -: سترجيز أو ستريكس تعني البومة في روما القديمة، وخلاصة القصة هي أن الربة إفروديت غضبت على حورية تدعى بوليفونتي فعاقبتها بجعلتها تغرم بدب بري، وقد أثمر هذا الغرام الشاذ عن طفلين مشوهين ورثا عن أبيهم وحشيته فأصبحا من آكلي لحوم البشر، الأمر الذي أغضب افروديت مرة أخرى فحولتهما إلى طائرا بومة، لكنهما الأخوين استمرا في مهاجمة الناس خلال الليل، وعرف عنهما ولعهما بلحوم ودماء البشر. ولهذا أصبحت البومة نذيرا للشؤم لدى الرومان.

شرب الدم بعيدا عن الأساطير
قد يظن البعض بأن شرب الدماء مقصور على الوحوش والمخلوقات الخرافية، لكن التاريخ يخبرنا بأن الممارسات المتعلقة بالدم هي غاية في القدم، فقد ذكر المؤرخون بأن مقاتلي الاسكيثيين (Scythians)، وهم شعب بدوي قديم عاش في جنوب روسيا، كانوا يشربون دم أول جندي من الأعداء يقتلونه في ساحة المعركة، كما عرف عنهم شربهم لدماء خيولهم حين يتعذر عليهم الوصول إلى الماء أثناء الحروب وحملات الغزو الطويلة، كانوا يفتحون جرحا صغيرا في عنق الجواد الذي يمتطونه ثم يمتصون الدم منه مباشرة، فيغنيهم ذلك عن شرب الماء. وقد أشار المؤرخون المسلمون إلى مثل هذه الممارسة لدى المغول أثناء اجتاحهم للشرق الأوسط في القرون الوسطى.

إن امتلاك قوة الخصم واستلاب روحه كان غالبا هو الدافع الرئيسي لشرب الدم، إذ كان هناك اعتقاد راسخ لدى الأقوام البدائية في أن قوة الإنسان تكمن في دمه، وربما من هنا أتت عبارة : "سأشرب من دمك"، التي تدور على لسان الناس عند الغضب والتهديد والوعيد. وبمرور الزمن امتزجت تلك المعتقدات البدائية مع الطقوس الدينية الوثنية، فأصبح أسرى الأعداء لا يذبحون في ساحة المعركة وإنما ينقلون إلى المعابد الحجرية الفخمة والضخمة لتنحر أعناقهم كقرابين عند مذبح الآلهة، ويمكن ملاحظة بقايا هذه الطقوس الدموية الوثنية في بعض بقاع العالم حتى اليوم، ففي مملكة النيبال مثلا، يقوم الهندوس لمرة واحدة كل خمسة سنوات بذبح آلاف الحيوانات في مهرجان ضخم مكرس للربة غاديما، حيث تسيل دماء الثيران الضخمة كالشلالات عند مذبح المعبد، ويقوم بعض الكهنة بامتصاص وشرب دم القرابين للحصول على رضا الآلهة. ويقال بأنه في العصور الوسطى، أي قبل صدور قانون "منع التضحية البشرية" في الهند عام 1780، كان البشر يشكلون جزءا من تلك القرابين والأضاحي المقدمة للآلهة الهندية.

في الأسفل تذبح القرابين وفي الأعلى الكهنة يحتسون الدم - كتيبة حجرية من حضارة الموشي
وإذا كنا قد خضنا في موضوع القرابين الدموية، فلا يفوتنا أن نشير هنا إلى أن الحضارات الأمريكية قبل الغزو الأسباني كانت الأعلى كعبا بين الأمم القديمة في هذا المجال، فلم تشهد امة من الأمم ذبائح بشرية كتلك التي شهدتها المعابد الحجرية المدرجة في حواضر الأزتك والمايا والانكا حيث كانت قلوب القرابين البشرية تنتزع من الأجساد الخائفة المرتجفة لتقدم لآله الشمس وهي تنبض، وذلك من أجل ديمومة دورة الحياة وحماية الكون من الانهيار، وبعد انتزاع قلوبها النابضة، كانت تلك القرابين ترمى من أعلى المعبد فيتلقفها عامة الناس في الأسفل ليلتهموا أجزاء منها، تبركا وطمعا برضا الآلهة. وفيما يخص موضوعنا، فلعل اللوحات الحجرية التي عثر عليها المنقبون في مدن حضارة الموتشي (Moche

شمال بيرو هي المثال الأوضح على ممارسة شرب الدماء البشرية، ففي البداية كانوا ينحرون عنق القربان البشري بسكين حادة، ثم يقربون كأسا ذهبية كبيرة نحو جرحه وينتظرون حتى تمتلئ الكأس بالدم الحار لينقلوها إلى مجموعة من الكهنة الذين يقومون بشربها.

في روما القديمة، أعتقد الناس أيضا بخواص الدم الخارقة، خصوصا في مجال علاج الأمراض، والطريف هو أن تلك الخواص كانت تختلف حسب قوة وشجاعة ونبل صاحبها، فأطباء ذلك الزمان مثلا كانوا يؤمنون بأن دم مصارع الحلبة (gladiato

يمكنه شفاء مرض الصرع، لهذا كان مرضى الصرع يتزاحمون على أجساد المصارعين المحتضرين ليرشفوا الدماء من جروحهم النازفة!، ويقال بأن هذه الممارسات والمعتقدات الخرافية قادت إلى ظهور طائفة سرية أعضائها من الرجال والنساء الذين أدمنوا شرب الدم، وكانوا ينظمون حفلاتهم الدموية داخل سراديب وأنفاق مظلمة بعيدا عن أعين الناس، وقد أثارت القصص والإشاعات عن هذه الطائفة رعب واشمئزاز الرومان، فقررت روما معالجة الأمر بحزم، بثت مخبريها وجواسيسها في كل مكان لملاحقة أفراد الطائفة، كانت تلك هي أكبر وأول مطاردة في التاريخ لتصفية مصاصي الدماء. لكن بعض المؤرخين اتهموا الرومان بتلفيق قصص مصاصي الدماء من أجل التنكيل بالمسيحيين الأوائل في روما، خصوصا وأن أولئك المسيحيين المضطهدين كانوا يجتمعون في السر لممارسة طقوس دينهم الجديد والتبشير به. لكن المفارقة في الأمر، هو أن نفس الاتهام الذي وجهه الرومان للمسيحيين كاله هؤلاء بعد عدة قرون لليهود فاتهموهم باختطاف الغلمان المسيحيين وتعذيبهم من أجل استخلاص دمهم وشربه، فيما عرف تاريخيا بأسم تهمة أو تشهير الدم (Blood libel

والذي استخدم كذريعة للتنكيل باليهود ومصادرة أملاكهم خلال العصور الوسطى.

أخيرا يجب أن نذكر بأن للدم أهمية كبرى في مجال السحر والشعوذة، فالعديد من الوصفات السحرية تتطلب الحصول على دم حيواني أو بشري، لذلك كانت تهمة شرب الدم هي من التهم الرئيسية التي كالتها محاكم التفتيش – سيئة الصيت - للساحرات خلال مطاردتهن في القرون الوسطى، وبالطبع فأن أغلب تلك التهم كانت ملفقة، لكن هذا لا يعني بأن الدم لم يكن جزءا من الممارسات السحرية، فحتى في عصرنا الحديث هناك طوائف من عبدة الشيطان، والجماعات المهووسة بمصاصي الدماء، تؤمن بقوة الدم الخارقة والسحرية ويقوم أعضاءها باحتسائه خلال حفلاتهم السرية التي قد تتضمن تقديم أضحية بشرية، وبالفعل هناك جرائم موثقة اقترفها هؤلاء ونشرت تفاصيلها وسائل الأعلام في السنوات الأخيرة.

يتبع .

المصدر موقع كابوس

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك