المستذئبون .. وثائق و اعترافات (2)




اسطورة قديمة ارتبطت بالذئب , ذلك الحيوان الغريب الذي طالما ادخل عواءه الليلي الخوف إلى قلوب بني البشر فربطته الأساطير و الخرافات بعالم الأشباح و الأرواح و ربما كانت لخفته في الحركة و ظهوره و اختفائه المفاجئ دورا كبيرا في إسباغ هذه الصفات عليه.

في هذه المقالات سنعالج موضوع المستذئب بالتفصيل و سنذكر بعض اشهر الحوادث التي وردت في كتب المؤرخين عنها معتمدين دوما على الحقائق و الوثائق و التحليل العلمي و المنطقي بعيدا عن الاثارة الرخيصة القائمة على الاساطير و الخرافات.

قصص واقعية عن اشخاص اتهموا بأنهم مستذئبين

هناك العديد من الوثائق التاريخية حول المستذئبين , بعضها لقضايا منفردة و أخرى ضمن مجموعة كبيرة من الاعترافات لأشخاص كانوا يتهمون بممارسة السحر الأسود , و هي في الغالب تصف اعترافات أخذت تحت التعذيب الشديد , و نحن هنا نتكلم عن سجون و معتقلات القرون الوسطى حيث لم يكن للبشر أي قيمة تذكر , لذلك ينظر الباحثون اليوم الى معظم هذه القضايا بأنها كيدية و غير واقعية او ربما تكون لقتلة و مجرمين حقيقيين اجبروا على الاعتراف بأنهم مستذئبين بسبب التخلف و الجهل الذي كانت المجتمعات ترزح تحته و الذي كانت الحكومات تساهم بشكل متعمد في استمراره و انتشاره.

كارنير ملتهم الاطفال
كليز كارنير (Gilles Garnie

هو احد أشهر و أقدم الأشخاص الذين اتهموا بأنهم مستذئبين و تمت محاكمتهم في العصور الوسطى , و رغم اختلاف الروايات حول قصته الا انها جميعها تتفق على انه كان يعيش منعزلا في كوخ في الغابة قرب قرية دولي في فرنسا , و بسبب عزلته هذه و قلة اختلاطه بالناس فقد أطلق الأهالي عليه اسم الناسك و كان يوصف بأنه شخص كئيب المنظر و مريب النظرات و التصرفات و يعيش على الصيد من الغابة , و قد بدأت متاعب كارنير على ما يبدو بعد زواجه حيث انه اعتاد على حياة الزهد و القناعة بالطعام البسيط المتوفر و الذي يهيئه و يعده لنفسه فقط و لذلك واجه صعوبة جمة في توفير الطعام الكافي و الجيد لزوجته مما تسبب بحدوث المشاكل بينهما و التي بدأت بعدها بقليل حوادث اختفاء الأطفال الصغار في القرية بشكل غامض , كارنير نفسه بعد إلقاء القبض عليه اعترف تحت التعذيب بأنه كان يتجول في الغابة ليصطاد عندما قابل شخصا شبحيا علمه طريقة التحول الى ذئب ليتمكن من الصيد بسهولة و لكنه وجد بعد فترة بأنه بدء ينجذب بشكل لا يمكن مقاومته الى الطرائد البشرية و هكذا قام بقتل و التهام اول ضحاياه و التي كانت طفلة صغيرة في العاشرة من العمر رآها كارنير هائمة على وجهها في احد الحقول فقام بمهاجمتها و قتلها ثم نزع عنها ثيابها و بدء يلتهم بشغف أجزاء من لحم جسدها الطري حتى شبع و قام أيضا بقطع كمية من اللحم و حملها معه الى زوجته.
بعد ذلك بعدة اسابيع هاجم كارنير ضحيته الثانية و كانت طفلة صغيرة ايضا و رغم انه جرحها في عدة اماكن من جسدها الغض الا انه لم يستطع الاجهاز عليها و التهامها بسبب مرور مجموعة من المزارعين فتركها و هرب الى داخل الغابة المظلمة و استنقذ المزارعون الطفلة الا انها ماتت بعد عدة ايام بسبب جراحها البليغة , و قد اخبر المزارعون الجميع بما رأوه عن الذئب و الفتاة و انتشر الخبر كالنار في الهشيم في المقاطعة متسببا بموجة من الهستيريا و الخوف لدى السكان , و قد امر حاكم المقاطعة بالبحث عن المستذئب و قتله مقابل جائزة مالية فبدأت حملة تفتيش واسعة الا ان احدا لم يشك في الناسك كارنير و كوخه الصغير المنعزل في الغابة.
و بعد ان مرت عدة أسابيع و هدأت الامور قليلا قام كارنير بمهاجمة ضحيته التالية و هذه المرة اختار صبيا صغيرا كان يلهو قرب الغابة , اختطفه كارنير و قام بأكل أجزاء من يديه و بطنه و قطع فخذيه و أخفاهما في الغابة ليلتهمهما فيما بعد , و مع هذه الجريمة أصبح كارنير يجد صعوبة كبيرة في كبح شهوته الجامحة نحو اللحم البشري و هو مما أدى في النهاية الى الإيقاع به , فضحيته التالية كانت صبيا صغيرا كان يلهو بالقرب من القرية و لم يصبر كارنير هذه المرة حتى يكتمل تحوله الى ذئب فهاجم الصبي و هو في شكله البشري و هذه المرة ايضا صادف مرور مجموعة من المزارعين مما اجبره على ترك ضحيته و الفرار الى عمق الغابة المظلم الا ان احد المزارعين تمكن من التعرف عليه و تم القاء القبض عليه و على زوجته بسرعة و قد تم الحكم على كارنير بالحرق حيا و جرى تنفيذ الحكم فيه عام 1573.
رغم اعترافات كارنير الصريحة و الموثقة الا ان الباحثون و المؤرخون يعتقدون بأن كارنير كان في الحقيقي قاتل سادي متسلسل و ان تهمة المستذئب أضيفت الى اعترافاته المأخوذة تحت التعذيب بسبب ايمان الناس بهذه الأشياء في تلك الفترة و لتضفي على جرائمه المزيد من الوحشية و القسوة , و اخرون يرون ان كارنير رجل بريء و انه تم تسليمه للمحكمة من اجل الجائزة , الا انه و في كل الأحوال تبقى قضيته من أقدم الكتابات الموثقة التي وصلت الى أيدي الباحثين عن المستذئبين.

هانز المستذئب (Hans the Werewolf

وثيقة اخرى عن المستذئبين وصلت الى يد الباحثين مصدرها استونيا , و هي في الحقيقة تمثل الطريقة التي كانت تتم فيها مطاردة السحرة و الساحرات في العصور الوسطى و تصف ما كان يجري في محاكم التفتيش سيئة الصيت , فبين عامي 1610 – 1650 تم حرق العشرات في استونيا بتهمة السحر و الشعوذة , و لأن إيمان شعوب البلطيق بالسحر و السحرة كان ضعيفا لذلك فقد اتهم هؤلاء الأشخاص على انهم مستذئبين و ذلك لأن تهمة المستذئبين كانت منتشرة و رائجة جدا في تلك الأصقاع.
المتهم هانز اعترف حسب وثائق المحكمة بأنه مستذئب و انه اصطاد بهيئة ذئب لمدة سنتين , و ادعى بأن شخصا يرتدي السواد علمه كيف يتحول الى ذئب و هو ما اعتبرته المحكمة وصفا للشيطان , و عندما سئله القاضي فيما اذا كانت روحه ام جسده هي التي تتحول الى ذئب أجاب هانز بأنه اكتشف في إحدى المرات اثار لأسنان كلب في قدمه حدثت نتيجة لعراك بينما كان في شكله الحيواني و هو ما يدل على ان جسده هو الذي يتحول , و في سؤال اخر استفسر القاضي منه فيما اذا كان يشعر كإنسان ام كحيوان عندما يتحول الى ذئب ؟ اجاب هانز بأنه يشعر و يتصرف كحيوان.

بيتر ستمب .. اشهر المستذئبين
ربما تكون أوراق محاكمة بيتر ستمب (Peter Stumpp

هي واحدة من أشهر المحاكمات التي جرت للمستذئبين , و ان كان الباحثون يشكون في نزاهتها الا أنها تبقى رغم ذلك وثيقة تصور مدى الاعتقاد و الإيمان بالمستذئبين في القرون الوسطى.
بيتر هذا كان أرملا و والدا لفتاة في الخامسة عشر و صبي لم تذكر الوثيقة عمره , و كان مزارعا غنيا و له مكانة جيدة في المجتمع , الا انه في عام 1589 تم إلقاء القبض عليه و اعترف تحت التعذيب بأنه يمارس السحر الأسود منذ سن الثامنة عشر و انه مستذئب قام لسنين عديدة بقتل و التهام العديد من الحيوانات و البشر أيضا حيث اعترف بقتل و التهام أربعة عشر طفلا بضمنهم ابنه و كذلك قام في حادثين منفصلين بقتل امرأتين كانتا حاملتين و التهامهما مع جنينيهما , كذلك اعترف بأنه مارس زنا المحارم مع ابنته.
و في اعترافاته وصف بيتر الكيفية التي يتحول بها الى ذئب حيث قال بأنه يملك حزام مصنوع من جلد الذئب أهداه اليه الشيطان و انه يتحول الى ذئب عندما يضع هذا الحزام على جسده و يعود الى طبيعته البشرية عندما ينزعه عنه.
تم الحكم على بيتر ستمب بالموت بأبشع صورة حيث تم ربطه الى دولاب خشبي و تم تعذيبه بقسوة شديدة ثم أزالوا الجلد و اللحم عن جسده و قاموا بقطع رجليه و يديه و كسروا عظامه بالفأس حتى لا يتحول الى مصاص دماء بعد قتله , و أخيرا قاموا بقتل ابنته و إحدى قريباته و حرقهما بالنار معه بعد ان قطعوا رأسه و علقوه جانبا.
الاعتقاد السائد اليوم لدى الباحثين بأن بيتر ستمب ربما كان قاتلا ساديا متسلسلا و ربما يكون أيضا رجل بريء اجبر على الاعتراف تحت التعذيب لتتم مصادرة جميع أمواله خصوصا انه تم إعدام ابنته الوحيدة أيضا.

نساء مستذئبات
كان هناك نساء مستذئبات أيضا و قد تم توثيق محاكمات بعضهن , فمثلا (Guyetta Bugnon

تمت محاكمتها عام 1580 و اعترفت بأنها مستذئبة و انها قامت بخطف طفلين و التهامهما , و هناك ايضا امرأة تدعى آن (Ann

القي القبض عليها ضمن مجموعة من الرجال و النساء بتهمة ممارسة السحر الاسود و اعترفت بأنها أصبحت مستذئبة لمدة أربع سنوات قامت خلالها بقتل حصان و العديد من الحيوانات الصغيرة و انها اخفت جلد الذئب الذي كانت ترتديه تحت صخرة في الغابة.

لغز الحيوان الغامض في شيفلدان (Beast of Gévaudan

شيفلدان هي مقاطعة زراعية واسعة تقع في جنوب فرنسا وقعت فيها حوادث غريبة و غامضة في القرن الثامن عشر لازالت إلى اليوم مدار بحث و جدل بين الباحثين و كتبت حولها العديد من الكتب و الأبحاث و استمدت منها السينما عدد من أفلام الرعب المشهورة و لأنها من أشهر الحوادث التي دارت حول المستذئبين لذلك ارتأينا ان نفرد لها جزءا خاصا بها سننشره في قادم الأيام ان شاء الله.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك