ذات يوم ، جلس تاجر ثري بين أصدقائه في غرور ، وراح يتحدّث عن ثروته التي كونها بعبقريته وذكائه، وفي أثناء حديثه ، جاءه جاره الفقير وقال : أيها الجار العزیز، الا اجد عندك عملاً لي ، آکسب منه قوت یومي ؟
فدعاه الثري قائلاً : اجلس الآن حتى أفرغ من كلامي ، ثم أبحت في أمرك .. جلس الفقیر وراح یستمع الی حدیث الثري عن أمواله ، فلم يعجبه ، فقال : ألا تذكر فضل الله عليك ، وتحمده على هذه النعمة ؟
قال الثري في غيظ : لقد طلبت منك أن تجلس ، لا أن تقول رأيك فيما أقول . . لا تنس أنك تتحدث مع رجل غني وأنت فقير ، فإن شئت أعطيتك مالاً کثير.
قال الفقیر : الله وحده هو المغني ، ولدیه خزائن السموات والأرض .
ضحك الثري وقال : ماذا تقصد بهذا الكلام ؟ قال أحد الحاضرين : الغني هذا اسم من أسماء الله الحسنی،
فقال الثري في تعجب : احقاً؟ لم اکن أعرف هذا ؟ وقد يكون هذا الفقير لا يعرفه مثلي ..
قال الفقير : إن الحق سبحانه وتعالى ، هو وحده الغني . . فهو الذي يستطيع أن يجعل الفقير غنياً ، وهو الذي يستطيع أن يبقي للغني غناه. فالله عنده خزان السموات والأرض ، فهو يعطي ما يشاء ، ولا تنفذ خزائنه ابداً، و هو القادر علی العطاء بلا نهایة ، وعلی آن یغني من یشاء: بلا حدود . .
فضحك الثري و قال : اذن اطلب من الله أن يغنيك مثلي .
قال الفقير : وما يدل عليه اسم الغني ، أن المال في الدّنيا مال الله ، والله سبحانه وتعالى يستخلفنا فيه .. یعطي هذا ما یشاء؛ و یعطی هذا ما یشاء . ولكنه عطاء تمتع، وليس عطاء تملك ، فلا يأخذ الإنسان من ماله إلاً قدر مایتمتع به في الحیاة الدنیا، ثم یتركه لغیره بعد موته..
قال أحد الحاضرين : ما أجمل هذا الكلام أيها الرجل،
قال الفقير : ومما يدل عليه اسم الغني ، أن الحق سبحانه وتعالى، يُعطي الناس حق التمتع بالمال بأمره ، فلا يملك الإنسان أن يبقي هذا المال ، أو أن يحتفظ به ، لأن الله قادر على أن يهلك ماله ، فيصبح بلا مال .
قال الثري في غضب : کفی . . لقد علمنا،
قال أحد الحاضرين : قل يا شيخ، والله ما نجد أفضل من هذا الحديث ،
قال الفقير : إن الإنسان عاجز عن أن يحتفظ بما يملك ، فلو کان قادراً علی ذلك ما فارقته النعمة ابداً، وما ضاع ما يملك، ولكن الله هو الغني ، وهو المالك الحقیقي لكل اسباب الغنی،
غضب الثري وقال: یا رجل ، ما الذي جاء بلك في هذه الساعة؟ فحدیثك یؤلمني و یزیدني هموماً و فکراً،
قال الفقیر : و من خصائص اسم الغني، انه یجعل عبده المؤمن يعيش حياة الغنى ، دون أن يعطيه مالاً ، بأن يعطيه القناعة والرضا، فيغنيه عن متاع الدّنيا .
قال أحد الحاضرين : حقاً يا شيخ ، فأنا والله لا املك إلاً قوت يومي وأحمد الله عليه،
قال الفقير : إن الإنسان إن كان صالحاً ، لا يريد إلأ رضا الله ، ورضا الله هو الذي يغني الإنسان عن كل ما لا يقدر عليه ،
قال الثري في غضب : ايها الرجل، لقد اتیت تطلب عملاً، وقد فكرت فلم أجد لك أي عمل،
قال الفقیر : وما یدل علیه اسم الغني، ان الحق سبحانه وتعالى ، حين يرضى عن إنسان يغنيه عن الناس .. فلا يجعل حاجته في يد أحد يذله، بل يغنيه عن خلقه جميعاً..
نهض الرجل الثري و قال في ضیق : هذا الکلام لا معنی له، فساذهب لحالي لاعد تجارتي ، فاني علی موعد غداً مع صفقة العمر ، ثم ترك الحاضرين ، ومضى إلى بيته يُعدّ أمواله الكثيرة لصفقة الغد ، التي يحلم بها .
وبينما الفقير يتحدّث مع الحاضرين ، جائهم رجل یسأل : من یعرف منکم رجلاً صالحاً یرید عملاً مربحاً ؟
فأشار الحاضرون جميعاً إلى الرجل الفقير، فقال الرجل : حسنا، ثم أخرج بعض النقود من كيسه ، وقدّمها للفقير وقال : خذ هذا أجر يوم مُقدّماً ، وغداً تأتي للعمل عندي في مخازن الأعلاف، قال الفقير وهو ينظر إلى النقود إلتي دفعها له الرجل : ولکن هذا کثير یا سیدي،
قال الرجال: هذا من عند الله . فسر الفقير وشكر الله ، وأستأذن الحاضرين فقالوا له :
أعجبنا حديثك عن اسم الغنى ، فلم لا نجعل جلسة الغد عن اسم آخر من أسماء الله الحسنى ؟ قال الفقير في سرور : غداً إن شاء الله لنا موعد، ثم مضى.
وفي مساء اليوم التالي ، حضر الفقير من عمله للقاء الأصدقاء ، فوجدهم يلتفون حول الثري، وقد بدا عليه الحزن والألم ، فسألهم عن السبب، فقال الثري : سمعت حديثك بالأمس فلم أصدق ، واليوم قمت بعمل صفقة العمر ، فخسرت فيها كل ثروتي، حقا إن الله هو المغني.