هناك في المحيط الأعظم عشرات من الجزر المتباعدة عن بعضها ، والتي يحيط بها الماء من جميع الجهات ، ويعيش في بعض هذه الجزر جماعات من الناس تقوم حياتهم على الزراعة والصيد وبعضها يفيض بالخيرات فيبيعون بعض ما ينتجون للجزر الأخرى اذ يصدرونها اليها تعود عليهم بربح وفير،
على حين كانت بعض الجزر الأخرى صخوراً صماء لا تصلح الزراعة ويعيش اهلها على اقل القليل ويعيش بعض الناس من هؤلاء على النهب والسرقة من الجزر الغنية .
وكان هناك رجل شجاع اسمه سندباد ، وكان ذكياً صالحاً محباً للخير ، وكانت له سفين كثيرة يجوب بها المحيط بين الجزر المختلفة لأعمال التجارة فيشترى كميات كبيرة مما تنتجه الجزر الغنية ويملأ به السفينة للبيع في الجزر الأخرى . وهكذا مضت حياته في سعادة .
وكان لسندباد ولد اسمه بانوت تعلم القران والكتابة وحفظ كثيراً من الأثورات والأشعار فأحبه الناس لانه كان ينشد لهم مما يحفظ وكان صوته جميلاً يتلو به آيات الله من كتابه الحكيم فيجتمع الناس لسماعه والتعلم منه ويجولون له العطاء والمكافأة ولما كبر ياقوت ووصل سن الشباب أراد أبوه سندباد أن يعلمه أصول الملاحة بالسفينة وأصول التجارة، ليرث ذلك من بعده، أو يقوم بالعمل ويساعد أباه حين يتقدم السن بسندباد .
وهذا هو ما يفعله كثير من الآباء الصالحين، فيعدون اولادهم لمستقبل الأيام فانه يجب ان يكون لكل انسان مهنة أو عمل.
وكان یاقوت ذكياً شجاعاً قوياً مثل أبيه ،
فأحسن فنون العمل في البحار بسفينة ابيه الكبيرة ، وكان أميناً في اعمال التجارة ويساعد الفقراء والضعفاء و يعطيهم ما عنده والامثال منهم اجراً ويرى ذلك من واجبات الزكاة التي هي فريضة على كل مسلم
وصل سندباد ذات يوم الى جزيرة يحكمها رجل فاسق اسمه شهربیر الشرير كل همه النهب والسطو على الجزر الأخرى ، وكانت عينه على اعتی الجزر واسمها جزيرة الذهب ، ولكن أهلها كانوا له بالمرصاد فكان يعيش في غيظ عظيم مشيناً اية فرصة لاغتصاب خیرات جزيرة الذهب، وهداه الشيطان وتفكيره الفاسد الى فكرة شريرة هي ان يخطف ياقوت على حين غفلة ، ويقول لسندباد انه وضع ابنه في سجن لا يعلمه أحد سواه ، وانه لن يفرج عنه الا اذا هاجم سندباد مع رجال كثيرين واقوياء جزيرة الذهب ويحاربها , وجاء بكل ما في دار زعيمها من كنوز وخیرات .
وحزن سندباد حزناً عظيماً من أجل ولده ياقوت الذي خطفه وأخفاه شهربیر الشرير، وجعله يفكر آناء الليل وأطراف النهار حتى ساعده
ذكاؤه بعون الله سبحانه الى حيلة ذات دهاء ، فاحضر خمسين صندوقاً من الخشب وكل صندوق متسع لرجل ومعه سيفه ، ووضع الرجال في الصناديق بعد أن أمدهم بما يضمن حياتهم ووضع بعض بها الطعام والشراب وجعل في الصناديق ثقوباً صغيرة للتنفس ودهنها من الخارج بماء الذهب وبالرسوم الجميلة لتبدو كأنها من رياش واثاث جزيرة الذهب .
وخرج سندباد بالسفينة من عرض البحر ، وعلم شهربیر بوصولها خرج لاستقبالها وحده حتى لا يعرف أحد من أهل الجزيرة الذين يكرهونه.
وقام رجال من سفينة سندباد بنقلها الى قصر شهربیر الشرير واخذ شهربیر يطوف بالصناديق فرحاً مسروراً وحلم أحلام كثيرة بهذا الثراء العريض وبينما كان يطوف بالصناديق,
ظهرت أشارة سندباد لفتح الصناديق التي كانوا بداخلها الرجال , رافعين السيوف صارخين في وجه شهربیر قائلين الله اكبر الله اكبر فرع شهربیر وتراجم واخذ یبکي ويستغيث ولا مغيث للظالم ،واخذه الرجال لمكان حبس ياقوت الطيب فاطلقوا سراحه وحبسوا شهربیر مكانه,
ولم يلبث الأمر أن ذاع في الجزيرة التي كان أهلها يكرهون شهربیر الشرير فأقيلوا من كل مكان يهنئون سندباد ورفعوه على الأعناق وطافوا به كل مكان في الجزيرة , فرحين بنجاتهم من الظلم وهم يصيحون الله اكبر الله اكبر .
وحين صار سندباد زعيم للجزيرة رأی آن حالها لا يدير ، وأن أهلها لا يعملون شيئاً ، فذهب بسفينته وملأها بالأشجار المختلفة الأنواع ، وجاء بنباتات كثيرة ، وعلم أهلها كيف يغرسونها في أرض الجزيرة كما علمهم فلاحة الأرض وزراعة القمح والحبوب بكل أنواعها فنمت اعمالهم وحسن حالهم وامتهنوا مهناً اخری كثيرة علمهم اياها سندباد وابنه ياقوت فاقبلوا على كل حمل بجد و حماسه ثم رای سند باد آن الأعمال لا تنتج ولا تدوم الا بالعلم والمهارة فأنشأ في الجزيرة مدرستين أحدهما لتعليم البنين والأخرى لتعليم البنات حتی یتعلموا ويتسلموا شؤون بلادهم وطابت حياة الناس على الجزيرة
وقوله تعالى (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طبية) النحل ۹۷