في أثناء فتح بلاد الشام، وصل جيش المسلمين إلى بيت المقدس، وحاصر المدينة مدة طويلة، وأرسل قائد جيش المسلمين أبو عبيدة بن الجراح إلى أهالي بيت المقدس كي يختاروا الإسلام، أو دفع الجزية نظير حمايتهم والدفاع عنهم وتوفير الأمن لهم، واذا لم يقبلوا هذا أو ذاك فليس هناك إلا الحرب والقتال.
طال الحصار، وقل الطعام فى بيت المقدس، وأدرك أهلها أن المسلمين سينتصرون عليهم، فأرسلوا رجلأ منهم إلى قائد جيش المسلمين، وأخبره أن أهل بيت المقدس مستعدون للاستسلام بشرط أن يسلموا المدينة إلى أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب.
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه في تواضع شديد: يا غلام ،نحن اثنان، والجمل واحد.
فإذا ركبن أنا ومشيت أنت ظلمتك، وإن ركبت أنت ومشيت أنا ظلمتني، وإن ركبنا نحن الاثنان قصمنا ظهر الجمل.
فلنقسم الطريق بيننا، أركب أنا مرة وتقود أنت الجمل، وتركب أنت مرة وأقود لك الجمل، ثم يمشي الجمل جزءاً من الطريق من غير أن يركبه أحد، حتى يرتاح الجمل من وقت لآخر.
واستمر تقسيم الطريق بين عمر بن الخطاب وخادمه الغلام والجمل حتى وصلا قريباً من بيت المقدس، وانتهت مرحلة أمير المؤمنين لينزل من الجمل ويركب الغلام، عندئذ قال الغلام:
لا يا أمير المؤمنين، لن أركب الجمل. فقال له عمر بن الخطاب رضى الله عنه:
جاء دورك يا غلام، فاركب. قال الغلام: يا أمير المومنين، لا تنزل، فأنا لن أركب، فنحن سندخل مدينة القدس حيث الخيول والعربات المذهبة وإن دخلنا المدينه وأنا راكب الجمل، وخليفة المسلمين يقوده فسيسخر اهلها منا، وقد يؤثر ذلك على نصرنا.
قال عمر رضي الله عنه: الدور دورك يا غلام، فوالله لأنزلنّ ولتركبنّ.
وركب الغلام الجمل، وأخذ عمر بمقوده يجره منه، فلما بلغا مدينة القدس وجدا أهلها في استقبالهما، وعندما شاهدوا المنظر ظنوا أن الراكب أمير المؤمنين، وأن الذي يقود الجمل خادمه.
أقبل الناس يحيون الغلام، فأشار الغلام بعصاه إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال:
لست أمير المؤمنين، إنه هذا الذي يمشي ويقود الجمل!. عندئذ أخذ رئيس اعوم يبكي، فأقبل عليه عمر رضى الله عنه يطيب خاطره. ولما سأله عمر عن سبب بكائه قال رئيس القوم:إنما بكيت من شدة دهشتي، ولأنني تأكدت أن دولتكم باقية إلى آخر الزمان!.