كان القاضي منذر بن سعيد وصياً على بعض الأطفال الأيتام. وذات يوم ذهب ليعرف أحوالهم فوجدهم يبكون. فسألهم عن سبب بكائهم، فقالت له كبرى البنات: سمعنا من جارتنا التي يعمل زوجها في القصر أن الخليفة سيأخذ بيتنا لنفسه.
طمأن القاضي الأطفال، وقال لهم: إن الخليفة عبد الرحمن الناصر ذو خلق ودين ولن يقبل أبداً أن يستولي على مال اليتامى ظلماً. سأذهب إلى قصر الخلافة لأعرف الأمر بنفسي من الخليفة، فأنا الوصي عليكم، ومن واجبي أن أرعى أموالكم وأحافظ عليها.
ذهب القاضي إلى قصر الخليفة، فأحسن الخليفة استقباله، فهو يعرف انه قاض وعالم، وإمام الجامع الكبير. قال القاضي: يا مولاي الخليفة، أنت تعرف أني وصي على أطفال أيتام لهم بيت صغير يعيشون فيه، وحمام يرزقون منه، وقد بلغني أنك تريد أن تأخذ البيت والحمام؟
قال الخليفة: ما بلغك غير صحيح، يا شيخ منذر، فأنا أخاف الله وأخشاه، فكيف أجرؤ على أخذ مال اليتامى؟ الحقيقة أنني سأبني مكتبة كبيرة قريباً من بيت هؤلاء اليتامى، واقترح كبير المهندسين أخذ البيت والحمام وهدمهما، ولم أكن
أعرف أنك يا شيخنا وصي هؤلاء الأيتام، وكنت أنوي أن أشتري البيت والحمام من أصحابه.
فقال القاضي: وأنا يا مولاي الخليفة لا أقبل البيع, ولا أوافق عليه إلا في حالة من الحالات الثالث: أن يكون الأيتام في حاجة إلى بيعها، وهم ليسوا في حاجة إلى البيع، أو أن يكون البناء قديماً مهدداً بالسقوط. وهو ليس كذلك، أو أن يكون الثمن المعروض مناسباً لصالح الأيتام. وأعتقد أن هذا في يد مولاي الخليفة.
ضحك الخليفة وقال: ما أشد حرصك يا شيخنا! فقال القاضي: لو كان المال مالي ما حرصت عليه في سبيل أن أحقق رغبة مولاي الخيفة، ولكنه مال أطفال أيتام، وأنا الأمين عليهم والمسؤول عنه أمام الله عز وجل يوم القيامة.
أرسل الخليفة بعض رجاله لتقدير الثمن وعرضه على القاضي. ولكن القاضي وجد الثمن الذي قدره الخبراء قليلاً وفيه ظلم للأطفال اليتامى فرفضه. خاف القاضي أن يأخذ الخليفة البيت والحمام بالقوة، فقام بهدم البيت والحمام وباع الأنقاض بثمن كبير، وذكر ذلك للخليفة، وطلب منه أن يشترى الأرض الفضاء إن أراد.
تعجب الخليفة من تصرف القاضي وقال له:
إنت كنت يا شيخنا بهذا الحرص الشديد على أموال اليتامى فاذكر لي الثمن الذي تريده في الأرض الفضاء، وسأوافق عليه دون الرجوع إلى أعواني، وذلك حتى لا أكون أنا خليفة المسلمين أقل منك حرصاً على مال اليتيم ومصلحته.