قال دمنة: زعموا أنه كان ببعض مدائن السند متطبب ذو وفق وعلم، كثير الحظوة فيما يجري على يديه من أسباب العافية فيما يعالج به الناس من طبّه وأدويته.
فمات ذلك المتطبب وانتفع الناس بما في كتبه. وإن رجلاً سفيهاً ادعى علم الأدوية وأشاع ذلك في الناس. وكان لملك تلك المدينة ابنة لها داء ثقيل فبعث الملك يطلب الأطباء فذكر له متطبب على رأس فراسخ يوصف بعلم الطب فبعث إليه. فلما جاءه الرسول وجده قد ذهب بصره من الكبر، فذكروا له علة الجارية وما تجد، فوصف لها دواء له اسم معروف يقال له زمهران. فقالوا له: اخلط لنا هذا الدواء. قال: لست أبصر لأجمع أخلاطه على معرفتي. فأتاهم ذلك السفيه المدعي علم الطب فأعلمهم أنه عارف بذلك الدواء، عالم بالأخلاط والعقاقير، بصير بطبائع الأدوية المفردة والمركّبة. فأمر الملك بإخراج كتب المتطبب الميت إليه وإدخاله الخزانة ليأخذ مما فيها من أخلاط الأدوية. فلما دخل وعرضت عليه أخلاط الأدوية وهو لا يدري ما هي ولا معرفة له بها، أخذ منها أشياء بغير علم ولا معرفة إلا على الظن والشبهة فوقع في سم قاتل، فأخذه وخلطه بأخلاطه تلك ثم سقى الجارية، فلم تلبث إلا ساعة حتى ماتت. فأخذه الملك فسقاه من دوائه الذي خلطه فمات لوقته.
قال دمنة: إنما ضربت لكم هذا المثل لتعرفوا ما يدخل على القاتل بالجهالة والعامل بالشبهة من الإثم. ثم تكلم سيد الخنازير صاحب مائدة الملك إتباعاً لهوى أم الأسد، فقال: إن أحق من لم يسأل عنه العامة ولم يشكل أمره على الخاصة لهذا الشقي الذي قد ظهرت فيه علامات الشر وسمات الفجور وقد عرف العلماء ما الحكم فيها.
قال رأس القضاة: وما تلك العلامات والسمات؟ فأطلعنا على ما ترى في صورة هذا الشقي. فجهر سيد الخنازير بصوته وقال: إن العلماء قد قالوا: إن من صغرت عينه اليسرى وهي لا تزال تختلج، ومال أنفه بعض الميل إلى شقّه الأيمن وبعد ما بين حاجبيه، وكانت منابت شعر جسده ثلاث شعرات ثلاث شعرات، وإذا مشى كان أكثر نظره إلى الأرض ويلتفت تارة بعد تارة، فإن ذلك مستجمع للغدر وطباع الآثام والبغي على الصالحين. وهذه العلامات كلها في دمنة.
فلما قضى قوله أكثر دمنة التعجب من كلامه وقال: إن الأمور يحكم بعضها بعضاً وإن حكم الله صواب لا خطأ فيه ولا جور فيه ولا عدوان. ولو كانت هذه العلامات التي ذكرتها وأشباهها يناب بها عن العدل والمعرف بالحق، لم يتكلف الناس الحجج ولم كان جزاء أهل الإحسان وجزاء أهل الفجور إلى على هذه العلامات. وهذا لم يوجب عليّ شيئاً لأن هذه العلامات تخلق مع صاحبها حين يخلق وتولد معه حين يولد. وإن كنت تزعم أن الخير والشر إنما يكونان بالعلامات فكذلك إذاً لا حمد للمحسن ولا ذمّ على المسيء، ولا أجدني في هذا أيضاَ إلا معذوراً، ولا أراك تنطق إلا بعذري وتذكر براءتي وأنت لا تدري ولا تفكر فيما تقول وإنما أنت في هذا كرجل قال لامرأته: أبصري عيبك يا سفيهة ثم عيبي غيرك.
فسُئِل دمنة كيف كان ذلك؟