بدأ دين الإسلام يظهر.. ورأت قريش أن هذا الدين الجديد ينتشر بسرعة؛ لأن الحق فيه واضح كالشّمس، ولأنه دين سمح سهل يدعو إلى كل خير، ويتفق مع العقل والتفكير السّليم.. قريش قامت بزعمائها ورؤسائها وكبار المشركين فيها.. تحارب هذا الدين، بكل الطرق والأساليب، وتصب العذاب الشديد على من تستطيع من الذين أسلموا، حتّى يرجعوا عن دينهم، ولكن، تحمل المسلمون التعذيب بصبر وإيمان وهم يقولون: هذا في سبيل الله.
وكانت مجموعة من سادة قريش وكبرائها يجتمعون في ناديهم يتحدثون عن محمد ويتبادلون الرأي: ماذا يفعلون في أمره. وكان معهم سيد من سادة قريش اسمه(عتبة بن ربيعة – أبو الوليد) . فقال لهم عتبة:
إن محمداً يجلس الآن وحده في المسجد، فهل أذهب إليه وأكلمه وأعرض عليه أموراً.. لعلّه يقبل بعضها.. فنعطيه ما يشاء.. ويكفّ عنّا؟ فقالوا له: نعم.. قم إليه وكلّمه. فقام عتبة بن ربيعة حتى وصل إلى رسول الله.
فجلس معه، وقال له:
يا ابن أخي، إنك منا حيث تعلم من الشّرف والمكانة. وإنّك قد أتيت قومك بأمر عظيم.. فرّقت به جماعتهم، وعبت به آلهتهم ودينهم.. فاسمع مني أعرض عليك أمورا.. تنظر فيها.. لعلك تقبل منها بعضاً.
قال الرسول: قل يا أبا الوليد.. أسمع. قال أبو الوليد عتبة بن ربيعة:
إن كنت تريد مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالا. وإن كنت تريد ملكاً جعلناك علينا ملكاً. وإن كان يأتيك شيء من عمل الجن لا تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطّبّ، ودفعنا فيه من أموالنا حتى تشفى منه .
ولّما فرغ عتبة بن ربيعة من كلامه، ورسول الله يستمع إليه، قال الرسول يستمع إليه، قال الرسول: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ .
قال: نعم. قال الرسول: فاسمع مني. وقرأ بصوت مؤثر: بسم الله الرحمن الرحيم: حم* تنزيل من الرحمن الرحيم* كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون* بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون .
واستمر الرسول يقرأ القرآن العظيم وعتبة يسمع وهو مأخوذ مبهور. شديد الإعجاب. واعتدل عتبة بن ربيعة وهو يسمع كلام الله احتراماً لهذا الكلام، لأن العرب كانوا أهل البلاغة وفصاحة يعرفون الكلام الجيد. وأدرك عتبة أن هذا الكلام الذي لم يسمع له مثيلاً من قبل لا يمكن أن يكون من كلام البشر.
فلما انتهى الرسول من قراءته، قال لعتبة: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت.. فأنت وذك.
وقام عتبة يمشي إلى أصحابه وهو مبهور، بعد أن ترك القرآن العظيم في نفسه أثراً عميقاً عجيباً.
فلما رآه أصحابه قادماً، نظروا في وجهه، وقال بعضهم لبعض: نحلف بالله.. لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به .
فلما جلس قالوا له: وما وراءك يا أبا الوليد ؟
قال عتبة بن ربيعة: لقد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط.. والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة.. يا معشر قريش، أطيعوني واتركوا هذا الرجل وشأنه.. فوالله إنه سيكون لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم.
فدهشوا لما قاله عتبة، وقالوا له: سحرك والله يا أبا الوليد! قال عتبة: هذا رأيي فيه، فافعلوا ما شئتم.
وهكذا كان القرآن أقوى أسلحة الإيمان.. يؤثر في النفوس تأثيراً عميقاً عجيباً يحير العقول.. لأنه كلام الله.. ومعجزته الخالدة على طول الزمان.