عندما تقدّم الحاكم في السّن استدعى ولده الوحيد، وقال له: لقد كبرتُ يا ولدي وصرتُ هرماً، ولن أستطيع الإستمرار في الحُكم. لذا يجب أن تستعدّ لتتسلّم الحكم قريباً . وتابع الأب كلامه: وعليك قبل ذلك أن تتزوّج، وتصبح رب عائلةٍ وأنصحك بالبحث عن فتاةٍ عاقلةٍ ذكيةٍ تصلح لأن تشاركك مسوؤليات الحياة والحكم .
اقتنع الأمير إبراهيم بكلام والده، فامتطى حصانه، وسار يبحث عن فتاةٍ تصلح أن تكون زوجةً له. وفي طريقه صادف كثيراً من الفتيات الجميلات، ولكنّه لم يعجب بأيّة واحدةٍ منهنّ. وتابع طريقه. وإذا به يرى، ذات يومٍ، فتاةً مزارعةً تقطف ثمار التّفاح من أحد البساتين. فأعجبه وجهها الجميل الحزين.
نزل الأمير عن حصانه، واتّجه نحو الفلاّحة الجميلة الحزينة وسألها: مَن أنتِ؟
فأجابت: أنا مُزارعة أهتمّ بهذا البستان، وأقطف ثماره، وأنتَ ماذا تعمل ؟ . فأجابها: أنا أبحث عن فتاةٍ أتزوّجها هل تقبلين الزّواج مني؟
احمرّت وجنتا الفتاة، وصمَتَت لحظةً. ولكنّها استعادت رباطة جأشها وقالت: حسنا ولكن ألا تستطيع أن تصنع شيئاً ما بيديك؟ أجابها الأمير: أنا لم أفكّر بهذا الأمر من قبل .
استغربت الفتاة كلام الأمير وقالت له: أنا لا أتزوّج رجلاً ليست له مهنة، أو عمل مُعيّن . فكّر الأمير في كلام الفتاة مليّاً، وامتطى حصانه بسرعةٍ وعاد إلى قصر أبيه ليخبره بما جرى معه، مُبدياً إعجابه بالفتاة المزارعة لأنّها ذكية وعاقلة وتصلح لأن تشاركه حياته العائلية والسّياسية. وقال لأبيه: أريد أن أتعلّم مهنةً نافعةً لكي أنال إعجابها فتوافق على الزّواج منّي.. .
فما كان من الوالد العجوز إلاّ أن أحضر لإبنه أعظم نسّاجٍ للثياب في البلدة ليعلّمه هذه الحِرفة. واستطاع الأمير خلال مدةٍ قصيرةٍ أن يتعلّم هذه المهنة، وأن يصنع ثوباً جميلاً أخضر.
أخذ الأمير الثّوب الجميل وسار قاصداً الفتاة ليثبت لها أنّه تعلّم مهنةً تجعله زوجاً مناسباً. وكان الثوب مُتقَن الصّنع، فأعجب الفتاة ووافقت على الزّواج من الأمير. وعادا معاً إلى القصر لإتمام مراسيم الزّفاف.
بعد الزواج، طلبت الفتاة إلى الأمير أن يتعرّف بمشاكل الناس وأن يسعى لحلّها، فوافقها. وارتدى ثياباً تدلّ على أنه نسّاج، وسار وسط الناس، لكنّه وقع في يد عصابةٍ من قطّاع الطرق، ولمّا عرفوا أنه ابن حاكم البلاد طمعوا في أمواله، وأصرّوا على ألا يتركوه حتى يعطيهم ما يطمعون به..
طلب إليهم إبراهيم أن يعطوه فرصةً لصناعة ثوبٍ يبيعه للأميرة وهي تعطيهم ما يشاؤون من الأموال. واستطاع الأمير أن ينتهي من صناعة الثوب خلال مدةٍ قصيرةٍ.
أخذ زعيم العصابة الثوب وسار به إلى قصر الأمير وسلّمه إلى الزّوجة، فأدركت أنّ الثوب من صُنع زوجها، وأن اللّون الأسود يدلّ على أنّه في خطرٍ. فتسلّمت الثوب وأعطت زعيم العصابة كيساً من المال، وأمرت الجنود أن يلحقوا به ويستدلّوا على مكان وجود الأمير. وبالفعل، استطاع الجنود أن يقبضوا على زعيم العصابة وأعوانه.
وهكذا خرج الأمير من سجنه وعاد إلى القصر، فاستقبلته زوجته الذّكية بالترحاب والحفاوة.
ازداد إعجاب الأمير بزوجته، وعاش الزوجان حياةً ملؤها السّعادة والهناء، وأنجبا بنات وبنين.