دخل رجلان المحكمة، ووقفا أمام القاضي، أحدهما طويل القامة، صلب العود، في الخمسين من عمره، والآخر شيخ محني الظهر يتوكأ على عصا غليظة.
قال الرجل الأول: أعطيت صديقي هذ عشر قطع ذهبية. ووعدني أن يردها عندما تتحسن أحواله، وكلما طالبته بها تهرب مني.
سأل القاضي الشيخ: ما رأيك في كلام صاحبك؟
أجاب الشيخ: أعترف أنه أعطاني عشر قطع ذهبية لكنني رددتها إليه يا سيدي .
قال القاضي: أتقسم أمام المحكمة على أنك رددت إلى صديقك القطع الذهبية؟
قال الشيخ: نعم، يا سيدي. قال القاضي: إذن.. ارفع يدك اليمنى وأقسم. التفت الشيخ إلى صديقه، وطلب منه أن يمسك العصا حتى يرفع يده وهو يقسم. رفع الشيخ يده وقال: أتقسم أني أعدت القطع الذهبية العشر إليه.
لام القاضي الرجل الذي يتهم صديقه الشيخ، واعتذر الرجل للقاضي بأنه ربما قد نسي ذلك.
أخذ الشيخ عصاه من الرجل، وهم بالانصراف وهو يتوكأ على عصاه. وقبل أن يخرج الرجلان من المحكمة، خطرت للقاضي فكرة مفاجئة.. فناداهما.
عاد الرجلان إلى القاضي، فسأل الشيخ:
هل تعودت دائماً أيها الشيخ أن تتوكأ على عصاً؟ أجاب الشيخ: أحياناً يا سيدي.. وجه القاضي السؤال نفسه إلى الرجل الآخر فأجاب:
لا يا سيدي.. ما رأيته من قبل يتوكأ على عصا!
طلب القاضي من الشيخ أن يسلمه العصا. أمسك القاضي العصا وراح يقلبها بين يديه ويتفحصها. لا حظ القاضي أن العصا ثقيلة. نظر القاضي إلى مقبض العصا فوجده من النوع الذي يمكن خلعه عنها. أدار القاضي المقبض في مكانه فدار. جذب القاضي المقبض بقوة فانخلع في يده.
رأى القاضي أن العصا مثقوبة، ووجد الثقب مسدوداً بقطعة قماش. جذب القاضي قطعة القماش من الثقب، وأمال العصا قليلاً، فإذا بالقطع الذهبية تتساقط على الأرض أمام الحاضرين.
طلب القاضي من الرجل أن يجمع قطعه الذهبية. جمعها من الرجل، وعدها فوجدها عشراً. قال القاضي للشيخ: أيها الخبيث.. تصورت أنك تستطيع أن تخدع هذا الرجل وتمكر بي!! لقد شككت في أمرك عندما وجدتك تسلم صديقك العصا قبل أن تقسم.. أتظن أيها اللئيم أن قسمك صحيح؟
ثم التفت القاضي إلى صاحب القطع الذهبية، وقال له: كان الشيخ ماكراً وكاذباً حين سلمك العصا التي بداخلها قطعك الذهبية، وأقسم أنه رد إليك ذهبك.. وكان ذهبك بين يديك وأنت لا تدري.. وهذا غش وخداع!..
أخيراً.. التفت القاضي إلى الحراس وقال:
خذوا هذا اللص.. وضعوه في السجن حتى أجد له عقوبة مناسبة لتلاعبه بالقسم، وعقوبة أشد على خيانته الأمانة.
وخرج الرجل من المحكمة سعيداً وهو لا يصدق أن قطعه الذهبية قد عادت إليه.. وكان كل الحاضرين معجبين بذكاء هذا القاضي وفطنته.