قامت الحرب بين قبيلتين، واستمرت المعارك بينهما شهوراً طويلة. وكانت الحرب أحياناً تتوقف اياماً قليلة، تجمع فيه كل قبيلة قتلاها، وتجهز اسلحتها، ثم تستأنف القتال مرة أخرى،
وذات مرة كلف قائد القبيلة فارساً من أشجع فرسانها، ليذهب إلى قبيلة الأعداء، ويعرف أخبارها، ليخبر أهل قبيلته بما رأى وبما سمع.
خرج الفارس على جواده العربي الأصيل، وقد لبس درعه، وحمل سيفه، انطلق الفارس في اتجاه معسكر الأعداء، واقترب من خيام الأعداء، والتفت.. فإذا جماعة من الفرسان تلتف حوله من كل جانب، أخرج الفارس سيفه، وراح يضربهم بقوّة، لكن كثرة الأعداء غلبت الفارس، فجرحوه، ووقع على الأرض، أسرع فرسان الأعداء، وقيدوه بالحبال، وحملوه إلى خيامهم، ثم وضعوه في خيمة، وتركوه فيها.
أقبل الليل، وأظلمت الدنيا، والفارس وحيد في الخيمة يتألم من جراحه، ويتوجع من قيوده، ولا يستطيع النوم، وفجأة سمع صهيل فرسه، وأحس في صوت الفرس ما يشبه الألم والشّكوى، جمع الفارس الجريح ما بقي من قوته، وتحامل على نفسه، وأخذ يزحف على الأرض – وهو مقيّد – إلى مكان الخيول، ورأى فرسه مربوطا في شجرة، فكر الفارس ان يفك قيد فرسه، ويطلق سراحه، ليعود إلى قبيلته، فيعرف أهل القبيلة ما حدث له، ويحضروا لإنقاذه!
اقترب الفارس من حصانه، كانت يداه ورجلاه مقيّدة بالحبل، فك الفارس قيد الحصان بأسنانه، قال الفارس:هيا، انطلق ايها الفرس، ارجع إلى خيامنا، اسرع.
استدار الحصان نحو صاحبه، ووقف ينظر إليه حزيناً على ما أصابه، كأنّه يقول:كيف أرجع وحدي، وأتركك مقيد في يد الأعداء؟!.
نظر الحصان إلى جسم صاحبه فوجده مقيداً بالحبل، فقبض الفرس بأسنانه على الحبل، ورفع صاحبه عن الأرض، وانطلق بعيداً عن خيام الأعداء.
كان الطريق طويلاً، والحمل ثقيلاً، ولكن الحصان لم يستسلم للتعب، جرى، وجرى، لم يتوقّف إلا عندما وصل إلى خيام قبيلته، أنزل الحصان صاحبه على الأرض برفق، وأخذ يصهل بصوت ضعيف مريض، وهو يكاد يقع على الأرض!
سمعت زوجة الفارس صوت صهيل الحصان فتنبّهت وأسرعت إليه، وصلت الزوجة إلى زوجها الفارس بصعوبة، فكّت الزوجة قيود زوجها بسرعة، قام الفارس إلى حصانه يحاول أن يسعفه، لكن.. من غير فائدة! كان الحصان قد مات من التّعب!
حزن الفارس على حصانه حزناً شديداً، وتناقلت القبائل حكاية هذا الفرس الوفيّ، وبقيت حكايته بين الناس مثالاً على الإخلاص والتّضحية.