في بداية الربيع ، يعطي أستاذ فلاحة البساتين كل تلميذ جزرة ، أو بصلة ، لينبتها في بيته وصاحب أكبر جزرة أو بصلة يفوز بجائزة حسنة ، وفي هذا الربيع أعطى الأستاذ كل تلميذ جزرة صغيرة ، في وعاء زجاجي صغير ، وقال لنا : إن الجائزة ستكون في هذه المرة كأسًا فضية كبيرة
وفي المنزل تذكرت البرميل الكبير القديم الذي في الشرفة ، وقررت أن أنقل الجزرة إلى هذا البرميل ، لأنه واسع ، وستستريح فيه الجذور وتكبر ، وبدأت أستعد لنقل صديقتي الجزرة ، فزحزحت البرميل من مكانه ، وأحضرت من جنينة عم حسن مقطفًا كبيرًا من الطين ، وملأت به البرميل ، وتركته في الشمس ثم أحضرت الجزرة ، وحفرت لها حفرة مناسبة ، ونقلتها من بيتها القديم الضيق إلى البرميل الواسع
واعتنيت بجزرتي كل العناية ؛ لتكون أكبر جزرة ولأنال الجائزة ؛ الكأس الفضية ، وأخيرًا صار لصديقتي الجزرة بيتها الواسع الجميل ، وصارت هي فيه كالعروس فرحانة بتاجها الأخضر الصغير ، ورويتها حتى شبعت
وبعدها أحسست بالإرهاق والتعب ، فقد عملت كثيرًا في الشمس الحارقة ، وحان الوقت لأرتاح قليلًا ، ومن شدة التعب وكثرة التفكير في الجزرة غلبني النوم ، فنمت ، والنوم سلطان كبير لا يغلبه أحد ، وجاءت الأحلام ، ورأيت الجزرة قد انتقلت من البرميل إلى غيط واسع ، وصارت تكبر ، وتكبر حتى أصبحت جزرة كبيرة ، أكبر من شجرة الجميز ، أو شجرة التوت
وكبرت الجزرة وطالت ، وصارت أكبر من الشجرة الكبيرة ، حاولت شدها فلم أقدر ، وجاء أهل البلد ليشدوها معي ، وشددنا كلنا الجزرة ، من غير فائدة ، وتعبت أيدينا ، وبقيت الجزرة أمامنا قوية كبيرة أكبر منا كلنا !وبعثت الحكومة جرارًا كبيرًا ليشد الجزرة ، فشدها بدون فائدة ، فأرسل سلاح الطيران إحدى الطائرات الحربية ، فربطت فيها الجزرة بحبل غليظ متين ، زعقت الطائرة ، ونفخت الدخان ، وشدت الجزرة ، ولكنها لم تقدر على زحزحتها ، وطار في العالم كله خبر الجزرة العجيبة ، ونشرت الجرائد والمجلات صورتها وصورتي ، واقترحت إحدى الجرائد اليابانية أن أمنح جائزة نوبل العالمية ؛ لامتلاكي أكبر جزرة
وبعد هذه الأحلام ، طار النوم ، وفتحت عيني ، فرأيت نفسي في الشرفة ، وأمامي البرميل ، فيه الجزرة الصغيرة ، ذات الفروع القصيرة التي تسلمتها من الأستاذ ، لم أحزن لضياع هذه الأحلام الجميلة ، بل قررت أن أجتهد لتكون جزرتي ملكة الجزر كما رأيت في المنام ، مهما تكلف الأمر
قرأت كتبًا كثيرة عن الجزر ، واشتريت من مصروفي أسمدة لها ، وبذلت كل جهدي في العناية بها، وصرت أفكر في الجزرة ليلا ونهارا ، وكنت أحملها في برميلها الثقيل إلى غرفتي ، عند اشتداد الحر والبرد
وكبرت جزرتي ونمت فروعها ، وعندما نقلتها إلى فناء المدرسة ، صاح الجميع : هذه ملكة الجزر ، وكانت الكأس الفضية من نصيبي نتيجة تعبي وعنايتي
كانت ملكة الجزر ، ولكنها كانت صغيرة ، ليست مثل جزرة الحلم