ركضت جوانا عبر المرجة باتجاه مدرسة القرية, ولم يكن هناك رصيف للطريق, بل كانت منزلقة بسبب أوراق الشجر المتساقطة المبللة...مرة أو أكثر كادت تقع بشكل خطير.ألقت نظرة سريعة الي ساعتها...انها الرابعة الا ربع ولابد من أن يكونوا قلقين لتأخرها والآنسة فورستر لا تطيق صبرا كي تقفل أبواب المدرسةوأحست بألم في خاصرتها فخففت من سرعتها, سخافة حقا أن تخاف من معلمة الأطفال ومع إنكارها أنها تخافها توقع رؤية وجه الآنسة فورستر المتجهم دفعها الي الركض مرة ثانية.فجأة ودون توقع سمعت صوت هدير محرك سيارة خلفها, وتذكرت أن لا أحد يأتي بسيارة علي هذه الطريق سوي شاحنة المزرعة,
وأحيانا سيارة البريغادير بدفورد, وقفزت دون وعي نحو القناة...وكان العشب رطبا فكان عليها أن تتشبث بشجرة شوكية كي تمنع نفسها من الانزلاق فوق ما أصبح بفضل المطر جدولا صغيرا يندفع بسرعة, وصاحت "اللعنة"وتوقفت السيارة ونزل السائق منها ثم نظر حوله وتقدم, وحدقت به جوانا وقد أحست بالانزعاج من عدم اهتمامه الزائد,ومن موقعها المزري علي الأرض بدا لها طويلا يرتدي نظارة سوداء بدت سخيفة وغير ضرورية هذا المساء...ومن خلف النظارة بدا مقطبا ,في ظروف عادية مواجهة رجل غريب كان سيفزعها, ولكن بما أنها مبتلة وتشعر بالبرد ومتأخرة ,وفوق كل ذلك فزعة, وليتوج كل هذا وقف الرجل ينظر اليها دون عرض للمساعدة وكأنه يضحك عليها, وكأنها جرو متكور لجانب الطريق...فكافحت بشراسة لتقف ,فقلب شفته وقال"أظن أنك بخير؟ لا أري دما أو طرفا مكسورا"ولا فضل لك في هذا ! حسنا ساعدني لأقففتجاهل يدها الممدودة,
وانحني ليلف ذراعه حولها ويوقفها علي قدميها,ثم يضعها فوق الطريق وبقي ممسكا بها وكأنه يظن أنها ستقع ثانية ثم بدأ ينفض عليها الأوساخ, فصرت جوانا علي أسنانها وقالت بغضب "شكرا لك""لا داعي للشكر كنت موحلة, هل تحبين الوحل؟""الأفضل أن ترشها علي سيارة مسرعة"ونظرت الي سيارته لتجدها من النوع الرياضي المنخفض الذي كان يفضله شقيقها ولاحظت بسرور أنها مليئة بالوحل"ترش عليك الوحل؟ وهل ظننت أنني قد أصدمك؟ أهذا هو سبب غطسك في الوحل؟ فهمت..أنا آسف"وردت عليه بأدب مبالغ فيه"أنت لطيف جدا"فضحك وأضاف"أوه يا الهي, أنا حقا آسف...ولكن لم تكوني بحاجة للقفز هكذا عن طريقي فالسيارة يمكن إيقافها بلحظة وأنا لم أكن مسرعا""السرعة أمر نسبي, فمعظم السير عندنا هنا يكون علي أربعة أرجل""حسنا لقد كنت مسرعا حسب المقاييس المحلية ولكنني كنت أبعد عنك ميلا""لم أشعر هكذا ,كان لدي انطباع أنك لاحقتني""أنا آسف"وأخذ ينظر اليها وكأنها شيء لم يشاهده من قبل ووجده مثيرا للاهتمام"لا يبدو عليك الأسف"وقال بحذر" أعني أنني آسف...لأنك متوترة الأعصاب هكذا"بلغت قمة الغضب فجذبت ذراعها من يده "كيف تجرؤ علي مثل هذا القول؟"أخذ يهتز من الضحك"اسمحي لي أن أوصلك الي حيث أنت ذاهبة وسنناقش الأمر""لن أفعل""يبدو أنك غير متمدنة""لا...ولقد تأخرت"ونظرت الي ساعتها فوجدتها ملطخة باللون الأخضر وبدت العقـرب تحتها تشير الي عشر دقائق بعد الرابعة" اعذرني يجب أن أذهب, علي أخذ الأولاد من المدرسة,"واستدارت لتذهب فأحست ثانية بالألم في خاصرتها وتأوهت, فأمسك بكوعها بسرعة وقال مقطبا"هل أصبت بأذى""لا شيء...حتي أنك لا ذنب لك به, كنت أركض وأحسست بالألم"فضحك" حسنا هذا صدق كاف منك, ومع ذلك لا أستطيع تركك تسيرين في هذا الطريق الموحل,سأوصلك للمدرسة""ولكنها ليست بعيدة"فسار الي السيارة وفتح الباب"اصعدي""حسنا, انها في آخر الطريق أمامنا الي اليسار,"نصف ميل بعد وجدت الأطفال ينتظرونها ولا أثر للسيدة فورستروقالت للرجل وعينها علي مونيكا" هنا ..أرجوك""هل هذه الطفلة لك؟""أجل انها واحدة اثنين"ولاحظت مونيكا السيارة تبطئ قرب المدرسة, ونزلت منها جوانا فبدأت تحاول تسلق الجدار المنخفض لتخرج من المدرسة اليها ووقعت حقيبتها منها فتجاهلتها صائحة وهي تركض نحو السيارة"أبي"وتجمدت جوانا, لماذا لم تفكر بما سيفعله منظر السيارة بالأولاد؟ ألم يتبادر الي ذهنها أنها تشبه سيارة ريتشارد؟وأحست بالفزع وهي تراقب المشهد.
منقذها وهو ينزل من السيارة بعد أن صرخت مونيكا واستدار بسرعة وصفق الباب وراءه, وتلقي الفتاة بين يديه واستدار بها وهو يرفعها في الهواء ضاحكا وقال برقة" أخشي أن تكوني مخطئة ولكن والدك محظوظ, هل الآباء وحدهم من يتلقون التحية؟ ألا تستاهل الأم واحدة؟"
"هذه ليست أمي ,انها جوانا فقط"
"أوه...."
وتدخلت جوانا" مونيكا ابنة أخي وهو تعيش معي وشقيقها الذي يلعب هناك"
"فهمت, حسنا يبدوان بحجم معقول ويمكن وضعهما في المقعد الخلفي وسأوصلكما الي المنزل"
قاومت جوانا كبرياؤها, ستكون نعمة لها أن لا تضطر الي السير أكثر من ميل ونصف والطفلين يجرجران أذيالهما خلفها ومع ذلك فكان كبريائها سيفوز لولا ظهور الآنسة فورستر في تلك اللحظةمدرسة القرية فيها صفان يؤويان حوالي ثلاثين طفلا, الصغار تعلمهم معلمة عجوز عمرها من عمر المدرسة تقريبا والكبار ومن بينهم مونيكا وبوب هم في صف الآنسة فورستر وكانت شابة رياضية صغيرة شعرها أشقر قصير وترتدي النظارات, وكانت لها نظرة مخيفة لا يجرؤ حتي بوب علي عدم إطاعتهاوقالت التنين الصغيرة وهي تقفل باب المدرسة الخارجي
"آه آنسة راينهارت, هل أخرك شيء عن القدوم؟" ودون أن ترفع صوتها أو تلتفت " نحن لا نسير فوق الحائط دايفيد"
تخلي بوب عن لعبه وتقدم ليقف بجانب جوانا التي قالت" لقد تأخرت في عملي ثم وقعت علي المرجة وهذا السيد ساعدني وأوصلني لما تبقي من الطريق"
وأدارت الآنسة فورستر نظارتها اليه ولدهشة جوانا ابتسمت له وبدت تماما مثلها مثل البشر وتجاهلت الآخرين وهي تسأله ما اذا كان قد أضاع طريقه ودخل القرية عن طريق الخطأ ثم التفتت الي جوانا لتسألها
"هل أصبت بأذى"
"لا أظن"
"آسفة لما حدث لك وبالطبع لم تكن غلطتك ولكنك قلت أنك تركت عملك متأخرة وهذه هي المرة الثالثة هذا الأسبوع يا آنسة ولن أستطيع حقا إبقاء الأولاد كل هذه المدة وعليك أن تحاولي الوصول في الوقت المحدد
"أجل آنسة فورستر"
"لا أضمن أن أكون حرة للبقاء معهما كل يوم"
"لا آنسة فورستر"
وتدخل الرجل" هذا صحيح, ونحن قد أخذنا ما يكفي من وقتك منذ وصلنا" وتجاهل نظرة جوانا المعترضة وتابع" فليحضر الأولاد حقيبتهما ولن نؤخر الآنسة فورستر أكثر من ذلك"
وبدت الآنسة فورستر مذهولة, فهي بالتأكيد لم تعني هذا ونظرت جوانا بارتباك من أحدهما الي الآخر ولاحظت أن الآنسة فورستر كانت أكثر من مستعدة لمتابعة الحديث مع الرجل الغريب مهما استغرق من وقت, ولكنه أشغل نفسه بوضع الأولاد في المقعد الخلفي للسيارة, وانحني لها مودعا ولحقت به جوانا .
قال الرجل بعد أن غابت المدرسة عن أنظارهم" أوه انها ضابطة نظام فظيعة" ثم التفت الي جوانا" هل علمتك في الماضي؟"
"من؟ أفريل فورستر؟ يا الهي انها أصغر مني سنا"
"لا يمكن لأحد أن يعرف هذا"
أحست بالتوتر فقد ارتابت الي أنه يوجه لها اهانة" أوه...؟ ولماذا؟"
"هكذا...مجرد انطباع...قولي لي أين سآخذك؟"
"الي أين أنت ذاهب؟"
"الي عزبة الرياح ,ان استطعت أن أجدها"
"أوه" المنزل المذكور كان فارغا لأكثر من سنة منذ وفاة آخر مالك له, والقرية مليئة بالإشاعات أن الورثة يقنعون مديرية الآثار الوطنية لشرائه, فهو منزل مبني منذ العصور الوسطي, صغير ولكن جميل, ... حتي وقت متأخر, فبعد موت السيدة أندرهيل العجوز أصبح مهجورا,ولطالما هز سكان القرية رؤوسهم أسفا علي الأراضي الزراعية المحيطة به والتي أصبحت بالتدريج جرداء وهناك ربيه في المنزل نفسه ومن المتفق عليه أن السيدة أندرهيل قد أهملته خلال سنواتها الأخيرة, وأنه سيكلف كميات ضخمة من المال ليستعيد أهليته للسكن, واذا لم يصلح عاجلا...فلن يعود هناك أمل فيه سوي أن يهدم وفي نظر البعض ستكون تلك مأساة.
"هل تعرفين العزبة؟"
فابتسمت جوانا بأسف وهي من قضت طفولتها تلعب في حدائقه"أجل أعرفه, انه قرب البحر وأظن من الصعب عليك أن تجده بسهولة, هناك بوابة خلفية له, تفتح الي باحة الكنيسة, كنت أستخدمها بنفسي منذ زمن بعيد, ولكن له طريق خاصة تصل الي المنزل عبر الغابة التابعة له, عليك أن تتجه في تلك الطريق بعد ميلين من القرية.
"بعيد بهذا القدر؟ ولكني ظننت المنزل في القرية؟"
"أجل, والقرويون يدخلون اليه عبر باحة الكنيسة أو من علي طريق البحر ولا يمكن الوصول بالسيارة من كلا الطرفين."
"ولكنك قلت ميلين...وغابة المنزل, هل كل هذه الأرض تابعة له؟"
"كانت كذلك, وأظن البريغادير بدفورد قد اشتراها من السيدة أندرهيل منذ سنوات ولكن لا يزال هناك حق المرور الي المنزل قائما مع أنني لست أدري في أية حال هي الطريق الآن""
"لن تكون أسوأ من طريقكم المحلية وعلي أن أخاطر"
وقالت مونيكا من المقعد الخلفي" كانوا يقطعون بعض الأشجار من الغابة في عطلة الأسبوع الماضي, كنت أنا و بونتي هناك نتمشى وقال لنا السيد آدامز أننا لا نستطيع البقاء لأنهم سيسقطون الشجرة الكبيرة قرب البوابة لتنظيف الطريق"
ورد عليها بوب" لم يكن ذلك لتنظيف الطريق يا غبية, بل لأن الشجرة مريضة ولا يريدون لمرضها أن ينتشر...هذا صحيح, أليس كذلك يا جوانا؟"
لأن جوانا تعمل في مكتب بدفورد الxxxxي فقد اعتقد الأولاد أن عليها معرفة كل شيء عنه وعن أرضه, ومع أنها ولدت وكبرت في القرية , ان الأولاد الجدد فيها من سنة يعرفان أكثر منها, حول الأرض ومواسمها والأماكن المحلية الخاصة والناس بالطبع, وكانت تحس أحيانا أنها تعيش مع اثنين من أكبر ناقلي الاشاعات في القرية ,
ردت عليه".لست أدري, وأنت تعرفي يا مونيكا أنني لا أحبك أن تأخذي بونتي في نزهة وحدك"
و بونتي هو كلب من فصيلة الذئب الألماني, وهو ملك ل أرثر بدفورد, وعلي الرغم من محبتها للحيوانات فقد كانت تخاف من بونتي ولا تخرج معه سوي برفقة جوانا كي تدفعها للقبول بتربية كلب في منزلهما الريفيوقال الرجل" وما خطب الأشجار؟ هل هو مرض الحافور الألماني؟"
فتنهدت جوانا" أعتقد هذا, لقد حدث بعض التحطيم في الشجر وسقوطه في التلال ولكن البريغادير بدفورد كان يأمل ألا يصل المرض الي هنا"
"ومن هو البريغادير بدفورد؟ هل هو الحاكم المحلي"
"يمكنك دعوته هكذا"
ووصل الي نهاية الطريق فتوقف وسأل" الي أين الآن؟"
"استدر الي اليمين ثم بخط مستقيم عبر الوادي وسأكون شاكرة لو أنزلتنا قرب الدكان ثم تابع سيرك وتجاوز محطة الأتوبيس ثم قصر الأمير."
"شكرا لك, وهل لهذا الطريق لوحة؟"
"لست واثقة, أتتذكرين يا مونيكا؟"
"لست واثقة"
"أخشي أن لا نكون مفيدين لك, فأنا عادة لا ألاحظ ما هو موجود حولي, كل ما أذكره أن الطريق مظلم, يظلله شجر الغار والورود المتسلقة وما شابهها, أوه وهناك بوابة حديدية"
"مقفلة؟"
"بالطبع لا, لم تكن مقفلة أبدا كما أذكر"
"اذن لابد أنها مغطاة بالأعشاب ولا يمكن تمييزها, أمر محبط...وكأنه قصر الأميرة النائمة المهجور, وهل هذا المدخل الي اليمين أم الي اليسار؟"
"الي اليسار باتجاه البحر والمنزل قرب الشاطئ, ولهذا سميت العزبة بالرياح"
"أنا مسرور أنك ذكرت هذا!"
"ولماذا؟"
"لأنني ظننت الاسم قد آتي من خرافات الغيلان"
"آه..هذه هي الدكان أيمكن أن تقف هنا؟"
وتوقف أمام الدكان علي حافة الطريق فقالت" لا لزوم للتوقف تابع سيرك بعد أن ننزل"
"ولكن هناك لزوم اذا كنت أريد أن آكل الليلة, هذا اذا لم أذكر صباح الغد,أم أنهم سيرفضون خدمتي لأنني أوصلتك؟"
"لا تقول هذا لم يبدر الي ذهني أنك قد تريد شراء"
"ولماذا لا؟ هل ظننت أنني بيض البوم ودماء السعادين لمجرد أنني سأعيش في منزل الغول؟"
"لم أفكر بهذا مطلقا,أنت لم تقل أنك ستقيم هناك؟"
"حسنا سأقيم هناك, ومع أنني لا أريد استعجالك ولكن يبدو أن الدكان ستقفل ألا يجد أن نطلب ما نريد قبل أن يقفلوا الأبواب؟"
"أوه..أجل بالطبع"
وسارعت علي الفور الي دخول الدكان وطلبت الخبز ومربي التوت وتبعها الأولاد مع الغريب الذي نظر حوله بينما تطلب جوانا مشترياتهاوقالت جوانا للسيدة هوب صاحبة المحل" ربما تفضلين خدمة هذا الرجل أولا"
"حسنا بالطبع فأنت لست مستعجلة يا عزيزتي"
واشتري الغريب كمية سخية بما فيها البطاطا" الشيبسي" التي جعلت عيون الطفلين