رواية السحر الأسود || الفصل الخامس


مع أن جوانا كانت تتوقع زيارة قادمة من برايان تورنبول, الا أنه لم يظهر لها طوال ما تبقي من الأسبوع, ووصلتها رسالة من محاميها يبلغها أن السيد تورنبول قد زاره وهو راض تماما لمعرفته بأنه ممثل أخيها القانوني خلال غيابه, وهنأها علي وجود رجل يحل لها المشاكل التي قد تعترضها في رعاية الأولاد
رمت جوانا الرسالة في النار بغضب...
وكان علي جوانا أن تذهب الي أوتارا لتشتري عشر نسخ من نص التمثيلية التي سيقدمها نادي الهواة, ثم أمضت أمسيتين تراجع نصوص الرواية, وكانت السيدة بدفورد قد لخصت التمثيلية كي لا تستغرق أكثر من أربعين دقيقة
ومن الطبيعي أن أول شيء يجب فعله هو تنظيف القاعة التي ستجري فيها الحفلة, وعليها بالطبع الاتصال به لأخذ موافقته علي بدء العمل, وعندما طلبته ردت عليها سامنثا, وبدت محبطة لسماع صوت فتاة ولكنها كانت ودية وعرضت عليها المساعدة بما اعترفت أنه سيكون مهمة عملاقة, فشكرتها جوانا.
وعندما وصلت الي القصر القديم , وجدت سيارة برايان متوقفة أمام المنزل فنظرت اليها بغير رضي, انها تمثل كل شيء تكرهه, سريعة ,غير مريحة ,غير آمنة, وكالرجل الذي يملكها تماما.
وقال لها صوت ضاحك بعد أن وقفت تحدق بالسيارة بعبوس" انها آلة مسكينة"
فقفزت واستدارت لتجد برايان يقف عند الباب وأحست أن تفكيرها شفاف, فقد عرف أنها تكره سيارته, فنظرت اليه وقالت" ماذا؟"
"هذا الغرض البسيط الذي أثار غيظك ,هو مجرد آلة...وهي غير معادية بالمرة"
"ما عدا عندما يكون شخص ما بداخلها"
"ألم تسامحيني بعد علي ذلك الحادث الذي أوقعك في الوحل؟ لقد كانت غلطتك وأنت تعرفين ذلك, ولا يجب أن تحقدي علي السيارة, يبدو وكأنك علي وشك ركل المسكينة" وضحك
فقالت هاتفة" لست طفلة ولا أركل"
"كم أنا مرتاح لسماع ذلك"
وأخذ من سيارتها حفنة من المكانس, وتابع" أري أنك قدمت مستعدة, لقد بدأت سامنثا بالعمل, هل ندخل؟"
ووجدت أن شخصا ما قام بعمل كبير في القاعة, فمعظم الأثاث قد دفع نحو المنتصف وأنزلت الستائر المخملية المغبرة, ووضعت كومة قرب النافذة, حدقت سامنثا في كومة الستائر" لابد أنها كانت جميلة جدا, أثرية حقا"
"حسب ما أذكر كانت بلون البرقوق القاتم, وكانت قديمة وبالية حتي عندما كنت طفلة صغيرة, وأنا مندهشة لبقائها قطعة واحدة"
تلمسها برايان بأصابعه" انها ليست قطعة واحدة, فما يمسكها ببعضها هو ثقوب العث, يجب أن أوصي علي صنع المزيد من الستائر, كم هذا مكلف! لم أكن لأعتقد أن السكن في منزل قد يكون مزعجا لهذه الدرجة"
فقالت سامنثا" دعني أساعدك"
"وكيف ستفعلين ذلك أيتها الصغيرة؟ أن تسهري طوال الليل تخيطي لي ستائر جديدة؟"
"لا, بل أساعدك علي اختيار الألوان و....."
"آه, هذا أستطيع فعله بنفسي وما أريده هو العون الفعلي"
تدخلت جوانا" يمكن القول بأن سامنثا كانت ذات فائدة كبيرة لك حتي الآن"
"صحيح؟ أظن أنك محقة, في الواقع لم أكن ممتنا لها بما فيه الكفاية, أنا آسف سامنثا ,سامحيني"
"بالطبع, فأنا سعيدة لمساعدتك"
قالت جوانا" وماذا ستفعل بالستائر؟ أنت لن تحتاجها, علي الأقل في الوقت الحاضر, فاذا اشتريت القماش سأخيطها لك, وأظن أن هذا تقييم عادل للمساعدة"
"أنت؟ وهل لديك وقت؟"
فابتسمت" لدي وقت لكل شيء شرط أن أفعله, علي كل سيبعدني هذا عن تمارين فرقة الهواة للتمثيل, ولو بقيت في البيت لأخيط الستائر فالأمر يستحق"
سألتها سامنثا" ألا تحبين التمثيل؟"
"ليس كثيرا, علي كل لا أستطيع التمثيل"
فقال برايان" هراء, الأمر لا يعدو ارتداء ثياب وعرضها, وكل النساء يحببن هذا"
بعد أن أهان مستمعيه استدار برايان ليحضر بقية أدوات التنظيف من سيارة جوانا
وعملوا معا بصمت, الي أن سمعوا بعد وقت طويل صوتا من الخارج ودخل عليهم آرثر بدفورد, فقال له برايان" مرحبا, لم أسمع سيارتك"
"لقد قدمت سيرا"
فسألته جوانا" أوه...هل جئت عبر قناة الكنيسة؟ كنت أتساءل عما اذا كانت البوابة لازالت في مكانها"
"لازالت هناك...ولكن العشب قد نما عليها وأصبحت تقريبا صدئة, دخلت عبرها بسهولة والممر من الناحية الأخري ملئ بالأشواك التي تبلغ الخصر طولا"
قالت جوانا وكأنها تحلم" كنا نذهب عبرها الي البحر, كنا بالطبع نتعدي علي حق المرور ولكن السيدة أندرهيل لم تكن تمانع أبدا, وكنا نأخذ معنا الطعام الي السلم الحجري, هل تذكر يا آرثر"
أجاب آرثر بطريقة فظة" نعم, هل ستتأخرين كثيرا يا سامنثا؟"
تحركت سامنثا بمضض" كنت سأذهب منذ زمن, ولكنني كنت...هكذا... أتساءل...ألا تريد مساعدة في اختيار الستائر برايان حبيبي؟"
بدا الأم علي آرثر ووجدت جوانا تشد علي عصا المكنسة حتي سبب لها علامة حمراء علي راحة يدها, ورفع برايان ذقن سامنثا بأصبعه, وقال مداعبا" أتظنين أن بامكانك مساعدتي يا قطتي؟"
قاطعته جوانا" سنحتاج لأن نقيس الستائر ونتأكد من طولها الصحيح, واذا أردت المخملي ثانية , يجب أن أذهب معك"
بدا علي آرثر الانزعاج وكأنها خانته وذهبت الي معسكر الأعداء, ونظرت الي سامنثا فصعقت.....لم يكن ذلك التعبير الناعم أبدا علي وجهها , بل كانت تحدق بها بحقد غير مقنع, ولكن هذا ليس الذي صدم جوانا , بل كانت النظرة المحتسبة الراشدة التي زحفت الي عينيها, علي عكس نعومتها المعتادة, فوقعت المكنسة من يدها.
التقط برايان المكنسة وقال" هذا لطف منك يا جوانا, سأقبل, لو سمحت...متي ستكونين حرة؟"
"بأقرب فرصة سيكون أفضل, وبما أن ذلك سيكون لأجل الحفلة, فسيعطينني البريغادير بدفورد فرصة, ما رأيك بالغد؟"
"رائع ولكن بعد الظهر, وربما أقنعك بأن تمددي فترة بقائنا معا لتناول العشاء"
حاولت جوانا التحجج بالأولاد وعشاءهما ووضعهما في الفراش, فقال ساخرا" أنا واثق أن سامنثا ستكون مسرورة للعناية بهما, انها تحب مساعدة الصغار"
بدأت جوانا الاعتراض" ولكنني..."
فقاطعها آرثر" بالطبع يجب أن تذهبي, وبامكاني المجئ بالأولاد من المدرسة ووضعهما مع ايزابيل الي حين عودتك, ولا أظنكما ستتأخران, وهذا شيء قليلا ل ايزابيل لتعمله لقاء فكرتها المجنونة, فلتتحمل القليل من المسئولية"
"ولكنني لا أحب أن يتضايق أحد من أبناء أخي......."
"لا تتحججين ,اشكري الله علي قضاءك ليلة بعيدة عنهما"
وكانت علي وشك الرفض مرة أخري عندما لمحت وجه سامنثا المتشدد المتوتر, فرفعت رأسها وقالت كأنها ستذهب الي ميدان المعركة" حسنا جدا, سأفعل, وبامكانك يا آرثر أن تقول ل ايزابيل أنك من طوعتها كمربية أطفال, فأنا لن أفعل"
لمعظم ما بعد الظهر معه كان الحديث كله عن العمل, ولكنها كانت لا تزال تحس أنه من تحت تلك النظارة السوداء التي يرتديها يضحك منها, انه لا يعجبها ولا تثق به وممتعضة جدا من تكليف ريتشارد له بالوصاية علي الولدين, وسألها" لماذا تبتسمين؟"
"من أفكاري"
"وهل هي مضحكة؟"
"لا, ليس في الواقع, ولكن من السخرية أن ريتشارد يظنني قاصرا غير مسئولة"
"لماذا؟"
"لماذا؟ ألم تلاحظ؟ لأنني لست قاصرا فأنا راشدة ومستقرة وأنا أكبر من أن أدعي طفلة لا أصغر"
فقال لها بهدوء "أنت طفلة مكتملة"
وأدار الحديث في اتجاه آخر, ولم يعودا للحديث الشخصي الي أن كانا علي طاولة العشاء, ولاحظت أن اهتمامه قد تغيرت نوعيته فاتجهت الي صمت مرتبك, وقال معلقا علي بعض كلامها" وهل ما يظنه بك الآخرون مهم جدا؟"
"ليس الجميع, بعض الناس فقط"
"مثل آرثر بدفورد؟"
احمر وجهها"انه واحد بين آخرين, أصدقائي...."
قال بغضب" أصدقاء! أنهم أثرياء متطفلون, أنت تتركين الناس يتباهون عليك, وأنت تشجعينهم, ريتشارد, آرثر وعمته المجنونة, أنت لست مدينة لهم بشيء, فلماذا تتركين لهم فرصة التدخل في حياتك؟"
"لم أدرك هذا من قبل"
"أوه...هذا هراء...يجب أن تعرفي هذا, فأنت تركضين بين يدي آل بدفورد وكأنك خادمتهم المستعبدة ,فلماذا بحق الله؟ نحن لم نعد في القرن الثامن عشر ولا هم أسياد القرية"
ردت عليه ببساطة" ولكنني أحبهم"
"حب! أنت ترتمين بين أقدامهم وتقولي لهم "دوسوا علي" ويفعلون....يجب عليك أن تأخذي موقفا حاسما, قرري ما يجب أن تفعليه لكسب عيشك ولا تتورطي معهم خارج هذا النطاق"
"وكيف؟"
"يا الهي!...وكيف أعرف؟ أنت التي تقولين أن عندك خبرة, أليس لك دفاعات في حياتك بالمرة؟"
"لم أتعلم أن أقف بعيدة عن الناس الذين أهتم بهم, ولست أدري ما الذي يجب أن أتعلمه"
صفق بيديه فوق الطاولة" اذا أنت ضائعة"
وبعد أن انتهوا من العشاء لم يكن مستعدا لترك الموضوع, فبعد أن أوصلها الي منزلها وقف مستندا الي طاولة المطبخ يحدق بها " أتعلمين ما قاله لي ريتشارد عنك؟"
"شيء قد لا يرضيني"
"ولكنه اعتقد أنه إطراء لك, ألا تريدين أن تعرفي؟"
"أنت تجعله يبدو رهيبا"
"لقد قال أنك فتاة صغيرة هادئة واعتقدت من كلامه أن ليس لديك التفكير أو الإرادة الخاصة بك, وأنك لست ذكية"
"يمكن أن أصدق أن هذا ما قاله"
"ولكن لا يجب أن تصدقي هذا, انها صورة غبية تلك التي للناس عنك هنا, ولا يجب أن تدعيهم يقنعونك بها"
هذه الجدية الجديدة حيرتها, فمن ناحية كرهت اعتقاده أن له الحق في التطفل علي حياتها الخاصة, ومن ناحية أخري وجدت صدقه واهتمامه خطرا قليلا, فمما يقطع الأنفاس أن يجد المرء نفسه موضوع اهتمام مفاجئ من شخص آخر, فقالت يلطف" لا أظنك تعرفني جيدا لتصدر علي الأحكام"
"بل أعرفك, أعرفك جيدا أكثر مما يعرفك جيرانك, فأنا من حاولت وضع العصي في دواليبه من أجل الولدين , أتذكرين؟"
"وهل تتوقع أن أعتذر؟"
"يا الهي..لا! لقد كنت علي حق, ولكن الشيء الذي لا أفهمه لماذا غيرت مسارك عما اذا كان ريتشارد علي حق وأنك قد لا تكونين صالحة لرعاية الأولاد؟"
"وكيف عرفت أنني تغيرت؟"
"لقد قلت لك...أنا أعرفك جيدا"
ووضعت يداها علي خديها"ولكنك لا تعرفني , لا يمكنك...أعني أننا لم نلتق من قبل, هل كنت تتجسس علي؟"
"ليس أكثر مما كنت تتجسسين علي"
فاحمر وجه جوانا" أوه..انها الشائعات, ولن تخبرك الشائعات الحقيقة, فأنا لا أعرف شيئا عنك, فمثلا لست أدري لماذا تضع مثل هذه النظارات السخيفة, الا اذا كنت تقصد منها أن تظهر كنجم سينمائي وتبهر سامنثا المسكينة"
"هل قلت أنك لا تملكين أية دفاعات؟"
"لا أملكها ضد الناس الذين أحبهم,فأنت علي حق, أنا لست بحاجة مثل هذه الدفاعات ضد من أحبهم"
"مثل آرثر بدفورد؟ أنت سليطة اللسان وعنيدة, اذا كنت تريدين معرفة شيء عن نظارتي فما عليك سوي السؤال وسأقول لك, لقد حدث لي حادث مع المتفجرات وأصيبت عيني بضرر"
فشهقت بارتجاف وبدأت تتمتم" أنا آسفة...لم أكن أعلم...."
وفجأة أطفأ النور فشهقت وهي تشعر بالرعشة لوقوفهما معا بهذا القرب في الظلام "ماذا تفعل؟"
"بما أنك لا تحبين نظارتي السوداء فسأخلعها, ولكن لسوء الحظ لا أستطيع تحمل الضوء بعد, وبامكانك صنع القهوة في الظلام"
"أوه لا تتصرف كالأطفال, فأنا لن ألعب في مثل هذه الساعة"
"ألست تتلاعبين بحق الله؟"
وجذبها من ذراعها بقسوة وأخرسها بفمه, كان غاضبا ولكن كان في قبلته شيئا أكثر من الغضب, وكأنه كان يرتجف من رغبة جامحة فيه لأن يأخذها بين ذراعيه, ولم تبدي جوانا أي مقاومة, وقد أحست برأسها يتمايل وتركت نفسها تغرق في إحساس جديد عليها وأغمضت عينيها وتركت أصابعها تعبث بشعره, وفجأة تنفس بعمق وأبعدها عنه
وحدقت به بذهول, ويدها لا تزال تقبض علي طرف سترته واكتشفت بعجب أنها لم ترغب في أن يبعدها عنه هكذا, ليس من حقه أبدا أن يجعلها تشعر بالدفء والحياة كما لم تشعر في حياتها ثم يتركها ويدفعها عنه, ومدت أصابعها لتتلمس وجهه, تراجع عنها وكأنه لدغ, وأمسك بيدها بقوة للحظة ثم أبعدها عنه وقال لها"أنت بحاجة أن تتعلمي العناية بنفسك قبل العناية ب آرثر بدفورد, وتلك القهوة تغلي علي النار"
وخرج....
وتركها ترتجف خجلة من نفسها بشكل غريب, ما لم تفهمه هو ما الذي فعلته لتغضبه؟
في الأيام التي تلت وجد الولدان أن عمتهما تائهة الفكر, وكانت مشغولة جدا بالطبع, ولكنها كانت دوما مشغولة من قبل دون أن تنسي أين وضعت كتبهما, أو سماحها لهما بالبقاء ساعات صاحيين دون تذمر, وأحيانا كانا يجدانها تحدق في الفضاء دون حراك.
بعد ظهر يوم السبت, وكان يوما رائعا, وبينما كانت جوانا تجلس الي ماكينة الخياطة تخيط الستائر, تسلل الولدان من المنزل من باب المطبخ, ومع أن صوت الماكينة القديمة يطغي علي أي صوت فقد فضل بوب بتف

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك