النوم هو أحد ثوابت الحياة الإنسانية والذي بدونه لا يستطيع الإنسان أن يُكمل حياته بشكل طبيعي ؛ حيث أن الدراسات العلمية قد أثبتت أن الإنسان الطبيعي يقضي نحو ثلث حياته في النوم ، والنوم لا يُعتبر عملاً روتينياً يقوم به الإنسان بل إنه ضرورة من أجل مواصلة الحياة والذي يعمل على تجديد بعض خلايا الجسم دون أن يشعر الإنسان .
وليس من الطبيعي أن تعلم أن هناك إنسان لم ينم لبضع أيام ، ولكن ماذا لو عرفت ان هناك إنسان لم ينم لمدة أربعين عاماً متواصلة؟! ، قد يبدو الأمر أغرب من أي شيء قد يتخيله الإنسان ، ولكنه حدث بالفعل مع أحد الأشخاص ، إنه بول كيرن الذي تعرض لحادثة غيرت مسار حياته وأماتت النوم بداخله إلى الأبد .
كان بول كيرن جندي هنغاري يشارك في الحرب العالمية الأولى عام 1915م ، وبينما كان يساهم في تأمين جيش بلاده ؛ تلقى رصاصة من أحد جنود روسيا ، وقد اخترقت هذه الرصاصة جمجمته مخلفة آثاراً صادمة لكيرن ولكل من تابع حالته ؛ حيث تسببت هذه الرصاصة في أضرار داخل الفص الجبهي بمنطقة الدماغ ، اعتقد البعض أن كيرن ذاهب إلى الموت لا محالة ؛ غير أنه نُقل إلى مستشفى ليمبيرج .
تمكن الأطباء بمستشفى ليمبيرج من إنقاذ حياة كيرن الذي استفاق على واقع مؤسف وليس له أي تفسير ، لقد كانت المفاجأة التي وقف أمامها الأطباء في حالة من العجز هي تلك الحالة التي ألمت بالمريض وهو عدم تمكنه من النوم على الإطلاق ، ازدادت حيرة الأطباء حينما شاهدوا كيرن وهو لم ينم ولو للحظة واحدة منذ أن تم إنقاذه .
بدت حالة كيرن غير طبيعية حيث أنه لم يُغمض عينيه ولم يبد أن لديه الرغبة في النوم ، وقد أكد على ذلك الطبيب فري وهو أحد المشرفين على علاج كين لعدة سنوات ؛ حيث قال أن كين لم ينم منذ أن فتح عينيه داخل مستشفى ليمبيرج ، ولم يوضح أنه يريد أن ينام ، كما أكد الطبيب أن حالة كين كانت غامضة جداً ومن أغرب الحالات المرضية .
أخضع الأطباء كيرن إلى العديد من الفحوصات الطبية والاختبارات ؛ وقد تم ذلك تحت اشراف أكبر المتخصصين والخبراء من أطباء المخ والأعصاب داخل قارة أوروبا بأكملها ، لم يصل الخبراء إلى السبب الحقيقي وراء هذه الحالة التي وقفوا أمامها عاجزين عن حل اللغز المثير للجدل ؛ والذي أصبح محط اهتمام من جميع الجهات .
لقد قام الأطباء بالعديد من المحاولات من أجل أن ينام كيرن ؛ حيث أنهم استخدموا لذلك الأقراص المنومة ؛ كما أنهم قاموا بتخديره ولكنهم فشلوا في شتى الطرق المستخدمة لدرجة أنهم فشلوا في جعله يغفو للحظات أو حتى يتثاءب ، كان من المتوقع لدى الأطباء بعد كل التجارب والمحاولات أن يعيش كيرن مدة قصيرة ، وكان الأطباء محقون بالنسبة للنظريات العلمية ؛ غير أن كيرن كسر كل التوقعات والنظريات وعاش أكثر مما يتوقعون ؛ حيث عاش لمدة أربعين عاماً دون نوم .
وقد بدا الأمر أكثر غرابة حينما عاش كيرن بشكل طبيعي دون أن تتأثر حياته بعدم النوم ؛ الذي أثار جدلاً على نطاق واسع في العالم ؛ وذلك لأن حالته أصبحت ظاهرة طبية غريبة وفريدة من نوعها ، وقد مارس حياته وعمله دون أن يفقد توازنه ؛ غير أنه كان يصاب بنوبات من الصداع الذي كان يأتيه على فترات متباعدة .
توفى بول كيرن خلال عام 1955م بعد أن عاش حياة مختلفة كل الاختلاف عن حياة البشر الطبيعية بعد إصابته بتلك الرصاصة الروسية ، بل وبدا أنه كان أكثر استمتاعاً بحياته عن باقي البشر ؛ وذلك لأنه يمتلك أوقاتاً طويلة جداً فاقت أوقات كل البشر .