هل تخيلت يوماً أن الهواتف الذكية ليست وليدة عصر التكنولوجيا والانفتاح الذي نحياه ، بل هي من قديم الزمان قبل ابتكار الالكترونيات ، نتحدث هنا عن جهاز الإسطرلاب الذي دام استخدامه لقرون طويلة في الحضارة الإسلامية وكذلك في أوروبا في القرون الأولى ، تم ابتكاره في عهد الإمبراطورية الرومانية في أوج ازدهارها وعظمتها .
أما عن أصل كلمة الإسطرلاب ، فأصلها يرجع للغة اليونانية القديمة وترجمتها آخذ النجوم ، ومعناه مقياس النجوم ، في القرن الثاني عشر شاع استخدامه في أوروبا وفي الحضارة الإسلامية ، ويوجد اليوم آلات تشبه المسطرة الحاسبة والساعات السويسرية الفخمة ، أما عن الإسطرلاب فهو يتكون من مجموعة من الصفائح المتحركة ولكنها دائرية الشكل ، تكون جميعها ضمن صحن واحد يسمى الماستر أو الأم ويضم هذا القرص الدائري رسم كإسقاط ثنائي الأبعاد لخطوط العرض الجغرافية الأرضية .
وفوق هذا الصحن يوجد صفيحة أخرى هي الشبكة والتي تشير لمواقع وأسماء النجوم بالسماء ، وفوق الشبكة توجد مسطرة مستقيمة ، تدور تلك المسطرة حول محور ثابت مع قيم الزمن المتواجدة على اللوحة الماستر ويوجد خلف كل ذلك جهاز أخر محوري من أجل قياس ارتفاع النجم ، وطبعاً لأن مشهد السماء يتغير وفقاً لخط العرض الجغرافي للموقع الذي تتواجد فيه ، فتحتوي الإسطرلاب على سلسلة من اللوحات التي ترتبط بخطوط العرض المختلفة والتي تتواجد فوق المدن المختلفة .
أما المتبقى من الاسطرلابات اليوم مصنوعة من النحاس ومزخرفة بدقة ، وكانت مرتبطة وقت ذاك بالطبقة الحاكمة والطبقة المثقفة ، وكان يتم تعليق الإسطرلاب على الحائط مثل الشهادات اليوم كضمان لكون الشخص الذي وضعه متخصصاً في قرائته .
وكان هنالك بجانب النسخ الفاخرة نسخ أقل جودة للعامة ، وتاريخياً كان للإسطرلاب استخدامات كثيرة سواء دينية أو علمية ، ففي الحضارة الإسلامية كان يستخدم لتحديد اتجاه القبلة ومعرفة مواقيت الصلاة ، أما في أوروبا فقد انتشر لكونه أداة فلكية كان يتم استخدامه لتحديد مواقيت خوض الحروب والمعارك الحربية .
وساهم هذا الاختراع على تطوير علوم الفلك والرياضيات بالتزامن مع ظهور التنجيم وساعد الفلكيين على تحديد أماكن الكواكب الأخرى وكان يزود المنجمين بكل المعلومات التي يحتاجون إليها عن مواقع الكواكب والنجوم بشكل دقيق ، ولكن لا يمكن التحديد على وجه الدقة من أول مبتكر له فهنالك آراء تقول أنه له أصل يوناني على يد كلاوديوس بطليموس والذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد .
ومع حلول القرن السابع عشر والثامن عشر تراجع استخدامه مع تلاشي اهتمام الجمهور بعلم التنجيم وقراءة الطالع وغيرها من العلوم ، فتراجعت الحاجة للإسطرلاب وحلت محلة الساعة الميكانيكية وجهاز تحديد اتجاه السفن المعروف بآلة السدس ، ثم حلت الحواسيب محلهم جميعاً ثم الأجهزة الذكية التي حلت محل الحواسيب الأولية .