إن الحج والعمرة من أعظم الفرائض التي أمر بها الله سبحانه وتعالى معشر المسلمين ، والطواف هو ركنٌ أساسيٌ في الحج والعمرة ، والطواف هو الدوران أو المشي حول الكعبة المشرفة وهو من أهم المناسك في الحج والعمرة ، ويكون الطواف على سبعة أشواط وبشكل متتالي ، وهذا تعظيما لشعائر الله في الأرض .
ولقد ذكر الله عز وجل الطواف في القرآن الكريم حين قال : {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} {سورة البقرة ، الآية 125} ، وعندما يبدأ الحاج أو المعتمر بالطواف يبدأ من جهة الحجر الأسود ويقترب منه ليقبله ، وإذا لم يستطع يكتفي بالإشارة إليه ثم يدور حول الكعبة وتكون على يساره ، ويبدأ بالسير مروراً بالركن اليماني وينتهي بالحجر الأسود ، ومن المستحب أن يسرع الطائف بخطواته في الأشواط الأولى .
ومن القصص العجيبة التي حدثت في الحرم المكي هو السيل اللذي هطل عام 1941م على مكة المكرمة والحرم المكي ، حيث استمرت الأمطار الغزيرة تهطل لأسبوع متواصل ولا تتوقف أبداً ، وكان هناك بمكة صبياً يسمى عليّ العوضي كان يبلغ من العمر آنذاك 12 عاماً ، ويحكي الحاج علي العوضي قصته فيقول : لقد أرسلني والدي للدراسة في المرحلة الثانوية مع أخي ، وكنا نريد أن نؤدي العمرة فذهبنا أنا وأخي ومجموعة من زملائنا إلى الحرم المكي ، وكان الجو ممطراً ولكننا لم نتخيل ما شهدناه عندما وصلنا إلى الحرم ، لقد وجدنا المياه تغطي الحجر الأسود ولقد كان مشهداً مهيباً حيث أننا لم نستطع أن نرى الأرض من كمية المياه .
ولكنني كنت أجيد السباحة كباقي البحرينيين ، فقمت بالسباحة عوماً إلى أن وصلت إلى الكعبة المشرفة ، ولقد فعلها أخي أيضاً وصديقاي محمد جنيف وإسماعيل ثابت ، ولم نكن نعلم حينها أبداً بوجود أي كاميرات ستوثق تلك اللحظة الهامة بحياتنا ، فلقد تم توثيق تلك اللحظة وعرضها بكتاب توثيقي عن مكة المكرمة .
ويقول الحاج علي العوضي : لم أعرف أبداً من صور تلك اللحظة التي كنت أطوف بها حول الكعبة ، وفي تلك الصورة كان ينظر علي العوضي للشرطي الذي كان يحاول منعه من ذلك ، وفيها أيضاً كان يظهر شخصان يجلسان على باب الكعبة وهما صديقاي وكنت أخبر الشرطي حينها أنهما لا يجيدان السباحة .
وكان الشرطي يحمل بندقية ويقوم بإرجاع كل من يريد أن يطوف أو ينزل إلى الماء ، خوفاً من أن يسرق أحد جزءاً من الحجر الأسود بعد أن غمرته المياه تماماً ، وبالرغم من ذلك قمت بالسباحة والطواف حول الكعبة وأتممت الطواف ، وهذا بالنسبة لي كان إنجازاً عظيماً ولا يمكن وصفه ، وتلك الصورة التي التقطت لي من قبل شخص لا أعلمه هي إرث عائلي مهم جداً بالنسبة لي ، فبسببها دخلت عالم الشهرة وأصبحت معروفاً واسمي يرتبط بسيول مكة .
حيث يتشوق الكثيرون لسماع تلك القصة التي حدثت لطفل لم يتجاوز عمره 12 عاما فقط واستطاع الطواف في ذلك الجو ، إن كل شيء متعلق ببرودة الماء وعمقه وأيضاً رائحة المكان والأجواء المتوترة كل ذلك يمر أمام عيني وكأنه يحدث الآن ، ولقد تركت تلك الحادثة كل الخير لي وساعدتني على الارتباط بديني أكثر وأكثر ، فكل عام يزداد شوقي وحبي لمكة أكثر وأكثر ، ويقول الشاعر في حب مكة المكرمة : قَلبِي يَذُوبُ إِلَيكِ مِن تَحْنَانهِ *** وَيَهِيمُ شَوقاً في رُبَاكِ وَيَخْضَعُ.
فَإذا ذُكِرتِ فَأَدمُعِي مُنْهَلَّةٌ *** وَالنَّفْسُ مِن ذِكْراكِ دَوْماً تُوْلَعُ.
وَإِذا خَلَوتُ إِلَيكِ كَانتْ وِجْهَتِي*** فَالرُّوحُ فِيكِ أَسِيرَةٌ، لا تَشْبَعُ.
وَإذا وَقَفْتُ مُناجِياً وَمُصَلِّياً *** كَانَتْ بِنَفْسِي دَعْوَةٌ أَتَضَرَّعُ.
يَا لَيْتَنِي في حُبِّهَا مُسْتَشْهِدٌ *** كمْ كُنْتُ مِن عِشقِي لَها أَتَوَجَّعُ.
أَنا إنْ حُرِمْتُ إقَامةً في مَهْدِها *** يَا لَيْتَ رُوحِي فِي ثَرَاهَا تُنْزَعُ.
أَنَا لا أُبَالِي في هَوَاهَا مِحْنَةً *** أَوَّاهُ لَوْ أَنِّي فِدَاهَا أُصْرَعُ .