هل جربت يومًا أن تعيش أحداثًا غير حقيقية ، وتندمج معها كلياً حتى تشعر ، وكأنك قد أصبحت جزء لا يتجزأ منها ؟ لا شك أن البشر يمرون بتجارب ، ويقعون فرائس لبعض أفكارهم ، وخيالهم الجامح ولكن المثير في بعض القصص ، هو أنها تكون واقعية أكثر مما ينبغي ، حيث يجد الشخص نفسه مسافرًا ، في خياله ولا يدري لم رأى ما رآه من الأساس ، ولعل ما حدث مع نبيل ، هو شيء مثل هذا ، تجربة غريبة ومروعة قد لا يتمنى البعض منا ، أن يعيش مثلها حقًا . نبيل رجل أربعيني وتاجر ناجح ، للأسف على الرغم من دماثة خلقه ، وطيب نفسه إلا أنه يعيش وحيدًا ، خاصة بعدما فقد زوجته وأبناءه في واحدة ، من الحوادث المفجعة على الطرق ، بالطبع كلنا نسمع عن مثل تلك الأمور ، كل يوم في وطننا الكبير ، وبالتالي عاش نبيل وحيدًا لفترة طويلة ، كان يقضي خلالها وقته في الاندماج ، مع ذكرياته القديمة برفقة زوجته وولديه ، أو زيارة بعض الأقارب والتسامر معهم . وفي أحد الأيام من شهر رمضان ، انطلق نبيل يحمل بعض الهدايا والحلوى ، وذهب لملاقاة عائلته في الإفطار الرمضاني ، مثل كل عام فهذا هو متنفسه الوحيد ، وعقب الوصول والإفطار العائلي المبهج لنفسه ، جلسوا جميعًا يتبادلون أطراف الحديث ، وتطرق الحديث إلى الماورائيات والأحداث الغريبة التي حدثت معهم ، فجاء الدور على نبيل للحديث ، فنظر للأرض قليلاً ثم أخبرهم أنه قد مر بتجربة غريبة ، ولم يرويها لأحد قط حتى الآن . قال نبيل أنه في أحد الأيام ، وحينما كان في الخامسة والعشرين من عمره ، قد انطلق بسيارته عبر التلال الثلجية ، في رحلة كانت بالجزائر الشقيق ، وكان نبيل يتجول وينطلق عبر جبال تيكجدة في ولاية تيزي وزو الجزائرية ، وهي منطقة سياحية بها من الجمال ما لا يمكنك تخيله ، وأثناء قيادته عبر الطريق الوعر المتعرج ، رأى نبيل مصابيح سيارته وقد أضاءت فجأة كاشفة عن سيارة نقل ، تسير أمامه ببطء فنظر ببصره بعيدًا ، فرأى الطريق خاليًا ، فقام بضغط الوقود ليجتاز ، السيارة النقل التي أمامه ، ولكنه فجأة وجد نفسه أمام سيارة نقل أخرى تأتي ناحيته مسرعة ، وكأن سائقها لا يرى ضوء كشافاته قط .
في لحظة واحدة شعر نبيل وكأن روحه قد خرجت من جسده ، وصعدت لتشاهد المكان من الأعلى ، فشاهد الاصطدام الرهيب والأشلاء الممزقة ، وجسده وأوصاله المتقطعة في كل مكان ، ثم فجأة شاهد وقع الصدمة ، على كل من حوله من أقاربه ، وعائلته وأصدقائه وزملائه بالعمل ، ثم شاهد غسله وتكفينه ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط ، بل حضر طقوس الدفن والجنازة ، شاهد نبيل نهايته وكأنه يرى فيلمًا سينمائيًا طويلاً ، ولكن في لحظة انقلبت الأمور . فجأة تحرك المقود أمام نبيل ، لتنحرف السيارة بخفة من أمام السيارة النقل المسرعة ، لتمر إلى جواره بصوتها المرتفع مرور الكرام ، دون شيء يذكر أو أية مشكلة ، ولكنه أكد أنه حتى لم يملك الفرصة ، لكي يضغط على المكابح بنفسه ، وكأنما هناك قوة خفية قد ساعدته ! توقف نبيل بالسيارة على جانب الطريق ، ليلتقط أنفاسه وبالفعل ظل قرابة الساعة واقفًا ، لا يتحدث أو يفعل شيئًا سوى هذا ، واستعادة المشاهد التي رآها ، محاولاً تفسير ما حدث ولكنه لم يستطع قط ، وأخبر أفراد عائلته المذهولين ، بأنه لم يروي هذا الحادث من قبل أبدًا ، وأنه حتى الآن لا يدري من تدخل لإنقاذه ، ومن أدار المكابح وما الذي شاهده هذا كله ، حقًا لا يدري .