نمر بمواقف وظروف قاسية ، لا ندري ما الحكمة منها ، وقد نعرف حكمة المولى منها ، وقد نظل طيلة عمرنا لا نعرفها ، ولكن الأمر الوحيد الواضح ، هو أن الله يختار لنا الأفضل دائمًا ، ويجعلنا أسبابًا لعودة الحق . يروي عماد قصته وهو يبكي حزنًا على زوجته ، أنه كان قد تزوج من جارته بالقرية ، فتاة جميلة للغاية وحسنة الخلقة والخلق ، وأنجب منها طفله الوحيد أمجد ، الذي يشبه أمه كثيرًا . ويقول لا أتذكر أننا قد تشاجرنا طيلة عشرة أعوام زواج قط ، لا أتذكر أنها قد ترتكني أبيت مهمومًا ، ولكن فجأة عكر صفو حياتنا هذا المرض اللعين ، الذي لا يترك صغيرًا أو كبيرًا ، إلا وهزمه بقوة وشراسة ، وانتقلت الزوجة إلى الرفيق الأعلى ، تاركة خلفها زوجًا وطفلاً لا يعرفان طعمًا للحياة بدونها . أشفق الجميع على حال الزوج ، الذي دخل في نوبات بكاء شديدة ، وانهار ألمًا ووجعًا على فراق زوجته ، حتى أنهم قد ذهبوا إليه عدة مرات ، ليسحبوه بعيدًا عن المقابر ، مر أسبوعان حتى بدأ عماد ، يستفيق مما مر به ، ثم قرر أن يذهب إلى المقابر مرة أخرى ، ليؤنس وحشة زوجته ، فانطلق بالسيارة هو وابنه الوحيد ، وذهب ليجلس داخل المقبرة ، فيما انزوى الطفل إلى جوار الحائط ، وهو خائف ومرتعب بشدة . ظل عماد يقرأ ويتلو آيات الله ، ثم فجأة شعر بروح ثقيلة في المكان ، وبدأ الخوف يتسلل إلى نفسه ، ولمح ظلاً يعدو خلفه ، فالتفت فجأة وهو يهب واقفًا ، ولكنه لم يجد شيئًا ، ولم يجد أمجد ! أين ذهب؟ انطلق عماد يركض يمينًا ويسارًا ، وهو يهتف بأعلى صوته باسم ابنه الوحيد ، ثم انتابته حالة هستيرية من البكاء ، وقد ظن أنه فقد ابنه أيضًا كما فقد زوجته من قبل ، حتى سمع بكاء قادمًا من مقبرة مجاورة لمقبرة زوجته .
فانطلق خلف الصوت ظنًا منه أنه أمجد ، إلا أنه شاهد طفلاً يقف خلف باب المقبرة ، وينظر له بعينين بيضاوين ، وتتساقط منهما دموع سوداء ، فكاد قلب عماد أن يتوقف من شدة الرعب ، وسأله من أنت؟ فأجابه الثأر، ثم اختفي ليتلفت عماد ، ويجد طفلاً يقف خلفه ، فشهق حتى كاد يبتلع قلبه ، ولكن وجده أمجد ، فأخذه وانطلق به مسرعًا نحو السيارة ، وقادها عائدًا إلى المنزل . مجرد أن وصلا ، نظر عماد إلى ابنه في غضب وسأله لم ترك مكانه ، فأجابه الطفل وهو يرتجف رعبًا ، أنه لم يترك مكانه لحظة ، بل هو من نهض واقفًا فجأة وأخذ يناديه ، ويتلفت حوله وهو يخبره أنه جواره ، ولكنه لم يستمع إليه ، فانطلق خلفه حتى وجده يجلس في تلك المقبرة . صُدم عماد مما سمعه ، ثم سأله إن كان قد رأى أحدهم ، فنفى الطفل ذلك ، فأخذه عماد إلى غرفته ، وعقب أن اطمأن أن ابنه قد نام ، ذهب ليسترخي قليلاً هو الآخر ، نهض عماد في منتصف الليل ، وكاد أن يصرخ فزعًا عندما وجد الطفل يقف بثبات في منتصف غرفته ، فأوقد النور ليجده أمجد ، بنصف عين نائمة ، ويردد كالإنسان الآلي ، خذ بثأر حازم ، ثم سقط أرضًا . اطمأن عماد على ابنه ، ثم قرر أن يذهب إلى المقابر عله يكتشف شيئًا ، وبالفعل ذهب عماد باليوم التالي ، نحو المقابر ولمح ظل الطفل يركض أمامه ، فتبعه حتى وصل إلى المقبرة ، فشعر أن اللغز يكمن في هذا المكان ، فجأة ظهر الطفل من العدم وهو مشوه الملامح ، ونظر إلى عماد وأشار بيده إلى أرض المقبرة ، فامتدت يد عماد وهو يرتجف بشدة ، حتى وجد قلادة فالتقطها ، ليرفع رأسه وكان الطفل قد اختفى . هرول عماد إلى الخارج مسرعًا ، وجلس على أحد المقاهي يلتقط أنفاسه ويقلب في القلادة ، هنا رآه أحد أقارب زوجته الراحلة ، وذهب ليجلس إلى جواره ، وبعد حديث قصير سأله من أين أتى بالقلادة ، فعلم عماد أن الرجل قد يعرف الطفل ، فروى له ما حدث ، لتتسع عينا الرجل رعبًا ، وأخبره أن والدة الطفل تبحث عنه ، وبهذا الشكل يكون قد قُتل . ذهب عماد برفقة الرجل ، للقاء والدة الطفل خارج القرية ، وكان هذا هو طلبها من الرجل ، حتى لا يبطش بهم زوجها ، فهو رجل قاس ويمارس أمور السحر ، ومنذ شهر أخبرها أنه قد أرسل الطفل لأقارب له في المدينة ، ولم تر ابنها مرة أخرى ، ولكنها رأته في أحلامها يبكي ويردد خذي بالثأر . بدأ الجميع يفكرون في طريقة للتخلص من هذا الرجل القاسي ، وراودت عماد فكرة جيدة ، حيث قاموا بسحب هذا الرجل إلى المقابر ، ونصبوا له فخًا ، ثم أوقعه عماد داخل المقبرة ، وأحكم غلق الباب ، ليسمع صرخات الرجل المدوية تصم الآذان ، وانطلق هو بسيارته مسرعًا ، ليشاهد الطفل ليلاً وهو مبتسم الوجه ، ونام عماد دون أن يشعر بالفزع في تلك الليلة .