يحكى رجل أنه خرج في يوم من الأيام ليتمشى قليلاً وفجأة رأى في طريقه بقرة يكاد ينفجر الحليب منها من كثرة خيرها وبركتها، وعند رؤية هذا المشهد تذكر الرجل الطيب جار له لديه بقرة ضعيفة وصغيرة لا تنتج الحليب وعنده سبع بنات وهو فقير الحال، فأقسم الرجل أن يشتري هذه البقرة ويتصدق بها لجاره، قائلاً في نفسه : قال الله تعالى “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون”
فعلا إشترى الرجل الناقة وأخذها إلى بيت جاره، فرأى الفرح والسرور على وجهه وشكره كثيراً على معروفه هذا .. وبعد مرور عدة أشهر جاء الصيف وتشققت الأرض من شدة الجفاف وكان الرجل من البدو يرتحل من مكان إلى مكان بحثاُ عن الطعام والماء، ومن شدة الحر والعطش لجئ الرجل في يوم إلى الدحول وهي حفر في الأرض توصل إلى محابس مائية لها فتحات فوق الأرض، ويعرفها البدو جيداً، دخلها الرجل وحيداً ووقف أولاده ينتظرونه في الخارج، وفجأة ضل الرجل طريقه ولم يستطع الخروج مرة أخرى .
وقف أولاده ينتظرونه وقد غاب كثيراً حتى أيقنوا أنه مات أو لدغة ثعباناً أو تاه تحت الأرض وهلك، وقد كان أولاده ينتظرون هلاك أبيهم ليقتسموا ماله فيما بينهم .
فأسرعوا إلى المنزل وأخذوا الميراث، ففكر أوسطهم وقال : هل تتذكرون الناقة التي أعطاها أبانا إلى جارنا هذا ؟ إنه لا يستحقها وأنها ملك لنا على أي حال، وذهبوا الأولاد ليأخذوا الناقة، فقال الجار : لقد أهداها لي أباكم وأنا أستفيد من لبنها أنا وبناتي، فقالوا : أعد لنا ناقتتنا في الحال وخذ هذا الجمل الصغير بدلاً عنها وإلا أخذناها بالقوة وحينها لن نعطيك أي شيء بالمقابل، فهددهم الرجل قائلاً : سوف أشكوكم إلى أبيكم، فردد الأبناء في سخرية : اشك من تشاء فإنه قد مات، فزع الرجل وسألهم : كيف مات ولا أدري ؟ قالوا : دخل دحلاً في الصحراء ولم يخرج منه حتى اليوم، فقال الرجل : دلوني على طريق هذا الدحل وخذوا بقرتكم لا أريد منكم شيئاً .
و عندما وصلوا الى مكان الدحل ربط الرجل حبلاً في وسطة وأوصله إلى خارج الدحل وأوقد ناراً ونزل داخل الدحل وأخذ يمشي حتى بدأ يسمع أنيناً خافتاً، فمشى اتجاهه حتى وجد رجلاً يتنفس , فأخذه وربطة معه إلى خارج الدحل وسقاه وحمله إلى داره حتى دبت الحياة في الرجل من جديد، كل هذا وأولاده لا يعلمون شيئاً .
تعجب الرجل من أمره وسأله كيف ظل أسبوعاً تحت الأرض حياً ولم يمت، قال الرجل : سأخبرك قصتي العجيبة، دخلت إلى الدحل ووجدت الماء ولكني ضللت الطريق ولم أستطع العودة فأخذت أشرب من الماء لمدة ثلاثة أيام، وقد بلغ مني الجوع مبلغة، فأستلقت على ظهري وسلمت أمري إلى الله عز وجل وإذا بي فجأة أشعر بلبن بارد يتدفق على لساني من إناء عالي لا أراه في الظلام، وكان هذا الإناء يأتيني ثلاثة مرات كل يوم ولكنه إنقطع منذ يومين فجأة ولم أدري سبب إنقطاعة .
فأخبره الرجل عن سبب إنقطاعه وهو أن أبنائه جائوا ليأخذوا منه الناقة التي أعطاها الرجل إلى الجار من قبل، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وهكذا نجى الرجل من الموت جزاء صدقته وإحسانه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً,أو تقضي عنه ديناً ,أو تطعمه خبزاً “، وقال عبيد بن عمير : يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط ، وأعطش ما كانوا قط ، وأعرى ما كانوا قط ، فمن أطعم لله أشبعه الله ، ومن سقى لله عز وجل سقاه الله ,ومن كسا لله كساه الله .