كان هناك رجل يحب أن يتنزه دوماً في الأدغال والغابات ليستمتع بالطبيعة الخلابة والأشجار العالية والحشائش الخضراء والحياة البرية الهادئة، ويستمع إلى صوت تغريد الطيور والعصافير ويستنشق عبير الزهور الرائع.
وفي يوم من الأيام وبينما هو يتمشى في الأدغال مستمتعاً بتلك المناظر سمع فجأة صوت عدوٍ سريعٍ يأتي من بعيد، والصوت فى ازدياد واضح، فالتفت الرجل فوراً إلى الخلف، فإذ به يرى أسدا ضخما منطلقا بسرعة نحوه وتظهر عليه علامات التوحش والجوع..
أخذ الرجل يجرى بسرعة كبيرة والأسد وراءه، وعندما بدأ الأسد في الاقتراب من الرجل وكاد أن يلحق به، رأى الرجل بئرا عميقة فقفز إليها فوراً.. وأثناء سقوطه أمسك بحبل فى البئر وأخذ يتأرجح يميناً ويساراً في فراغ البئر، وعندما أخذ أنفاسة وهدأ روعه، إذا به يسمع صوت حثيث ثعبان ضخم يرقد في قاع البئر، أخذ الرجل يفكر في طريقة يتخلص بها من الثعبان الموجود في البئر ومن الأسد الذى ينتظره بالخارج، وبينما هو كذلك إذ به يرى فأرين أحدهما أسود والآخر أبيض يصعدان إلى أعلى الحبل ثم أخذا يقرضانه..
هلع الرجل خوفاً من أن ينقطع الحبل ويسقط بين فكي الثعبان، وبدأ يحاول هز الحبل ليسقط الفأران، وبينما هو كذلك أخذ يتأرجح يميناً ويساراً فإصطدم بشيئاً لزج، ضرب بمرفقه فاكتشف أنه عسل نحل، حيث أن النحل يبني بيوته في الجبال وعلى الأشجار وكذلك في الكهوف والآبار، فأخذ الرجل يتذوق العسل ويكرر ذلك.. ومن شدة حلاوتة نسي تماماً الموقف الصعب الذى هو فيه، وفجأة استيقظ الرجل من النوم، فقد كان هذا مجرد حلم مزعج!
في صباح اليوم التالي قرر الرجل الذهاب إلى شخص عالم يفسر له هذا الحلم العجيب، وبالفعل ذهب إلى شيخ عالم وقصَّ عليه رؤياه.
فقال له الشيخ : ألا تعرف تفسير الحلم يا بني؟
فقال الرجل : لا.
فأجابة الشيخ : أما الأسد الذى يركض وراءك فهو ملك الموت، وأما البئر الذي به الثعبان فهو قبرك، والحبل الذي تتعلق به هو عمرك، والفأران الأسود والأبيض هما الليل والنهار ينقصان من عمرك.
تعجب الرجل وسأل الشيخ : والعسل؟
قال الشيخ : العسل هو الدنيا.. من حلاوتها أنستك أن وراءك موتا وحسابا..