منذ زمن طويل كانت هناك مدينة يحكمها ملك، وكان أهل هذه المدينة يختارون الملك بحيث يحكم فيهم سنة واحدة فقط، وبعد ذلك يرسَل الملك إلى جزيرة بعيدة حيث يكمل فيها بقية عمره ويختار الناس ملك آخر غيره وهكذا..
أنهى أحد الملوك فترة الحكم الخاصة به، وألبسه الناس الملابس الغالية، وأركبوه فيلا كبيراً وأخذوا يطوفون به في أنحاء المدينة قائلين له وداعاً، وكانت هذه اللحظة من أصعب لحظات الحزن والألم على الملك وجميع من كان قبله.
ثم بعد ذلك وضعوه في السفينة التي قامت بنقله إلى الجزيرة البعيدة حيث يكمل فيها بقية عمره.
ورجعت السفينة إلى المدينة، وفي طريق العودة اكتشفوا إحدى السفن التي غرقت منذ وقت قريب، ورأوا شاباً متعلق بقطعة من الخشب عائمة
على الماء، فأنقذوه وأخذوه إلى بلدتهم وطلبوا منه أن يكون ملكاً عليهم لمدة سنة واحدة، لكنه رفض في البداية ثم وافق بعد ذلك.
وأخبره الناس على التعليمات التي تسود هذه المدينة وأنه بعد مرور 12 شهراً سوف يحمل إلى تلك الجزيرة التي تركوا فيها ذاك الملك الأخير.
بعد أيام معدودة من تولي الشاب للعرش في هذه المدينة، سأل الوزراء إن كان بإمكانه رؤية هذه الجزيرة التي أرسل إليها جميع الملوك السابقين، فوافق الوزراء وأخذوه إلى الجزيرة.
فرآها وقد غطتها الغابات الكثيفة، وسمع صوت الحيوانات المتوحشة وهي تجوب أنحاء الجزيرة.
نزل الملك إلى الجزيرة، وهناك وجد جثث الملوك السابقين ملقاة على الأرض، ففهم الملك القصة.. فما إن يترك ملك على الجزيرة حتى تأتي إليه
الحيوانات المتوحشة لاتهامه.
عندما عاد الملك إلى مدينته، جمع عددا من العمال الأقوياء وأخذهم إلى الجزيرة وأمرهم بتنظيف الغابة وإزالة جثث الحيوانات والملوك السابقين وإزالة قطع الأشجار الصغيرة..
وكان يزور الجزيرة مرة كل شهر ليشرف على سير العمل.
وكان العمل يتقدم بخطوات سريعة، فبعد مرور شهر واحد أزيلت الحيوانات والعديد من الأشجار الكثيفة.
وعند مرور الشهر الثاني كانت الجزيرة قد أصبحت نظيفة تماماً.
ثم أمر الملك العمال بزرع الحدائق في جميع أنحاء الجزيرة، وقام بتربية بعض الحيوانات الأليفة كالدجاج والبط والماعز والبقر..
ومع بداية الشهر الثالث أمر العمال ببناء بيت كبير ومرسى للسفن.
وبمرور الوقت تحولت الجزيرة إلى مكان جميل وقد كان الملك ذكياً، فكان يلبس الملابس البسيطة وينفق القليل على حياته في المدينة، وفي المقابل كان يخصص أمواله التي وهبت له في إعمار هذه الجزيرة.
وبعد مرور 9 أشهر جمع الملك الوزراء قائلاً أنه يعلم أن الذهاب للجزيرة يتم بعد مرور 12 شهر من بداية حكمه، لكنه يود الذهاب إلى الجزيرة الآن.
رفض الوزراء قائلين أنه حسب التعليمات لابد أن ينتظر 3 أشهر أخرى، ثم بعد ذلك يذهب للجزيرة.
مرت الأشهر الثلاثة واكتملت السنة، وجاء دور الملك ليتنقل إلى الجزيرة..
ُألبس الملك الثياب الفاخرة ووضع على الفيل الكبير وودعه السكان..
لكن الملك وعلى غير عادة الملوك السابقين، كان يضحك ويبتسم!!
فسأله الناس عن لسبب، فأجاب: يقول الحكماء: عندما تولد طفلاً في هذه الدنيا تبكي بينما جميع من حولك يضحكون، فعش في هذه الدنيا، واعمل ما تراه حتى يأتيك الموت.. عندئذ تضحك بينما جميع من حولك يبكون.
فبينما الملوك السابقون كانوا منشغلين بمتعة أنفسهم أثناء فترة الملك والحكم، كنت أنا مشغولاً بالتفكير في المستقبل وخططت له فقمت بإصلاح وتعمير الجزيرة وأصبحت جنة صغيرة يمكن أن أعيش فيها بسلام بقية حياتي.
والعبرة من هذه القصة الرمزية:
أن هذه الحياة الدنيا هي مزرعة للآخرة ويجب علينا ألا ننغمس في شهوات الدنيا عازفين عن الآخرة حتى ولو كنا ملوكا..
فيجب علينا أن نعيش في الدار الفانية لإعمار الدار الباقية، إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً