صدح جرس الباب ، لقد وصلوا أخيراً ، خرجنا لاستقباله ، لقد بدا متوتراً ، قبضته مشدودة ، ومعه رجل غريب ، أهلًا فارس ، تفضل ، عبس وجهه وقال : ومن أنت ؟! ، تدخلت فاطمة وقالت : هذا أحمد زوج صديقتي حياة ، قال فارس : تشرفنا ، لفظها عابساً ، عبر العتبة بخطوات مستعجلة ، ابتسمت له فاطمة ، ولم تسأله كيف حالك ، لقد بدا على وشك أن ينفجر في وجهها
الزوج والزوجة :
قال لها فارس : تبتسمين بعد ؟! فأجابته فاطمة : كيف حالك ، أنت بخير ؟ ، فرد فارس : مثل الزفت ، وأنتِ ؟ خجلت فاطمة أن تقول له أنها بخير فسكتت ، فقبض على بلوزتها بأصابعه ، وهمس بما يشبه الفحيح قائلًا : وين عباتك ؟فضحكت فاطمة وهى تقول في نفسها : حتى آخر لحظة يتمسك هذا الرجل بأوهامه في السيطرة ، واستدارت تسأله : من الأخ؟ ، قال لها فارس : الأستاذ أبو رياض ، المحامي ، فقالت له بتعجب : أحضرت محامي ! ، فأجابها : وأنتِ أحضرت هؤلاء ، فقالت فاطمة بحزم : إنهم أصدقاء ، فقال بشدة : أصدقاء السوءالضيوف وأصحاب المنزل:
تفضلوا يا جماعة الخير ، قالها أحمد وهو يفتح بوابة المنزل ، ويسبق الرجلين الى غرفة الجلوس ، وكانت صديقتها حياة قد أعدت بعض الشاي ، وجلست ملاصقة لفاطمة ، لكي تمنحها كل قوتها
وجلس فارس إلى جوار محاميه ، وهو ينظر لزوجته فاطمة بعينيه العميقتين ، وقال بصوت شبه عالي : ألن تقدمي لي الشاي ؟ ، ابتسمت فاطمة بطيب نفس ، وقالت في نفسها وهي تنهض من مكانها لتقديم الشاي له ولأبي رياض أيضاً : إن كل شيء يفعله هذا الزوج ، لكي يقنع نفسه بأنه صاحب السلطة المطلقة ، ولكي يشعرها بقوته
اتهامات متبادلة:
ساد صمت لمدة دقيقتين ، ثم استأنف أحمد الحوار قائلًا : شكراً لك على تلبية الدعوة أستاذ فارس ، وأتمنى أن نصل إلى حل الاشكال بشكل نهائي ، فرد عليه فارس بتعجرف : فاطمة هنا ، فلا تتكلم على لسان زوجتي ، أنت لا صفة لك ، وكان من المفترض أن نلتقي في بيتي أو بيت أهلها ، ولكن عنادها هو الذي ..قاطعته فاطمة قائله : ألتقي بك في بيتك ، حتى تغلق علىّ الباب وتنتهي المشكلة ؟
اندلق السؤال من فمها مستفزاً ساخناً وهي تستطرد وتقول : أنت لا تستطيع إيذائي في بيت أحمد ! ، قال لها فارس منفعلاً : أنا لست أخيك فهد ، يبدو أنك مازلت مرتبكة بهذا الشأن ، وربما تفوتين مواعيد الدواء
تدخلت صديقتها حياة قائلة : فاطمة تعاطت ألبرازولام دون وصفة طبيب ، وأنت تشجعها على الاستمرار ؟ ، رد عليها فارس : أولًا فاطمة مريضه ، ثانيًا هذا ليس شأنك ، قالت له فاطمة : أنت تهين الجماعة في بيتهم ! ، فرد فارس : أنت التي بدأت في توجيه الاهانات ، ولولاك ما كنا هنا ، في بيت الجماعة
المحامي :
يا جماعة ، قاطعنا أبو رياض : أقترح أن نترك المهاترات الجانبية ، وأن نناقش صلب المشكلة ، فهز أحمد أسه ، وواصل أبو رياض كلامه وقال : ما عرفته من موكلي أن السيدة فاطمة زوجته ، متغيبة عن بيت الزوجية منذ أسبوعين ، وترفض العودة
فردت فاطمة : هذا صحيح ، فرد المحامي : ما أتينا لقوله للسيدة فاطمة اليوم ، هو أن موكلي سوف يرفع ضدها دعوى طاعة ، إذا لم ترجع الى بيت الزوجية اليوم ، فقال أحمد : بحسب معرفتي القانونية القاصرة طبعاً يا أستاذ ، يستطيع الأخ فارس أن يرفع دعوى الطاعة ، وأن يثبت نشوذ زوجته ، ولكنه لا يستطيع تنفيذ الحكم ، بالمختصر ليس من حق أحد ، أن يعيد فاطمة الى بيت الزوجية كرهاً ، فرد المحامي : هذا صحيح ، ولكن هذا يعني أيضاً سقوط حقوقها الزوجية كلها
تحدي فاطمة لزوجها:
فليحتفظ بأمواله ! ، قالتها فاطمة وهي ترفع ساقاً فوق الأخرى ، ثم وجهت أنظارها إلى زوجها فارس وأردفت : كان بوسعي أن أرفع ضدك دعوى طلاق للضرر منذ البداية ، لكن أنا لم أفعل ، كنت آمل أن نصل إلى الطلاق برضا الطرفين
صاح فارس منفعلاً : أنا غير راضٍ ، وإنني لم أطالبك إلا بحقوقي عليك بصفتي زوجك ، وأقل من ذلك بكثير ، قالت له فاطمة : ولكنني لا أريد أن أكون امرأتك ، فلا تحدثني عن الحقوق المترتبة على ذلك
رد فارس : لقد صرتِ امرأتي وانتهى الأمر ، ردت فاطمة : ببطاقة امسح واربح ! ، وجه فارس سبابته إلى فاطمة وصاح : بمكيدة ! مكيدة دبرتها زوجة أخيك ، قالت لأهلي انك الفتاة المثالية لي ، لا تدرس ولا تعمل ولا تريد إلا الستر ، وبعد أن نتزوج أفاجأ بأنها تريد أن تدرس وأن تعمل ، لا وطلعت شاعرة بعد ! هذا اللي ناقص والله !! ، فقالت فاطمة : لقد كانت غلطة منذ البداية إذن ، فصححها وطلقني
انفجار الزوج المجروح:
انفجر فارس كالبارود قائلاً : إنك تجلبين لي الفضائح ، الكل يسألني عنك ولا أعرف بماذا أجيب ، مشغولة ، سافرت ، تسيح في مجمعات دبي ، تزور أهلها في البحرين ، كل يوم أكذب حتى أستتر على استهتارك ، آملاً أن تعودي إلى رشدك إلى بيتك !الجيران يسألوا عن اختفاء سيارتك ، أمي تعتب عليّ لأنني أزورها وحيداً ، أخواتي أغرقنني بالأسئلة ، كل يوم تكبر الفضيحة ، أنا لا أستحق منك كل هذا ، أنا رجل طيب وزوج صالح ، صبرت عليك وعلى أمراضك وعلى أقراص أدويتك ، وعقمك وجفاف عاطفتك ، صبرت على كل شيء ، وأخلصت لك ، فتخرجين من البيت هكذا ، تهربين مثل الجبناء !!ردت فاطمة : معك حق أنا عاقر ومريضة وجافة ومجنونة وناشز ، ان عندك كل الأسباب اللازمة لكي تطلقني ، دون أن تلام على ذلك ، قال فارس : ولا أفهم لماذا تتحدثين عن الطلاق ، كما تتحدثين عن الخبز ؟ ، قالت بحزم : أريده ، فقال : وأنا لا أريده ، فقالت له : تريد امرأة لا تريدك ؟ ، قال لها : امرأتي لا تعرف ماذا تريد ، إنها مضروبة في رأسها ، فقالت : طلقني يا فارس ، أنا طلقتك منذ 14 يوماً
مخرج طوارئ:
قاطعها أبو رياض المحامي وقال لها : المرأة لا تطلق ، المرأة تخلع ، لمعت كلمة أبو رياض في مخيلتها ، كأنها مخرج للطوارئ وقد عثرت عليه ، فقالت لفارس كم تريد لكي أخلع نفسي منك ، سوف أرد اليك كل دنانيريك ، كل دينار دفعته لأخي فهد لكي تؤول إليك ملكيتي ، معتقداً أن من حقك أن تملي ما ينبغي أن تكون عليه حياتي ، إذا لم تطلقي فسوف أخلعك
أخجلت ملامح فارس وتهدج وجهه وهو يقول : هل أنت جادة يا فاطمة ؟! ، شعرت فاطمة لوهلة بالشفقة عليه ، وبرغبة في أن تربت على كتفه ،وتهدهد خوفه ، فتنهدت بعمق وقالت للجميع : هل يمكن أن نحظى ببعض الوقت لوحدنا ؟ ، قال أحمد : بالتأكيد ، وقال للمحامي ، تفضل يا أستاذ سوف نأخذ جولة في الحديقة ، وهمست حياة : سأكون قريبة منك
معاتبة على انفراد :
قال فارس والاحمرار في عينيه : تخلعينني ، أنا سروال ؟! ، تجرأت فاطمة ونهضت من كرسيها ، وجلست على يمينه واحتضنت كفه وضغطتها بيديها قائلة : الطلاق أفضل لك ، فإذا اعتزمت الزواج مرة أخرى لن تزعجك قضية الخلع ، سيكون الأمر أسهل لك ، لن يبدو الأمر وكأنك المعيب ، أنت تعرف كلام الناس ، وكيف يقيمون تلك الأمور
قال لها : هل تفكرين في مصلحتي الآن ؟ ، قالت له : أنا لا أكرهك ، فسألها : وهل تحبينني ؟ ، ابتسمت وضغطت على كفه المرتاحة بين يديها : ليس بدرجة كافيه لكي أصير زوجتك ، قال لها : ماذا تريدين أن نكون ؟ ، قالت : أصدقاء ، فقال لها : هذا غير منطقي ، عوضاً عن كونه خطأ ، فقالت له : إذا سوف أكون ذكرى ، تلك الذكرى التي تسترجعها وتبتسم
فكرة الطلاق وتنفيذه:
صمت فارس وأطرق برأسه ، وقد بدت فكرة الطلاق قد نفذت إلى عقله ، إنها الآن تحوم في أعماقه وتملأها ، قال لها : أتعلمين انه اذا وقع الطلاق بناء على رغبة الزوجة ، تسقط حقوقها في نفقة المتعة ؟قالت له : نفقة متعة ، يا له من تعبير حقير ، وابتسمت ، فابتسم وقال لها :أتدرين لقد أحببتك حقاً ، حتى أنني أحببت أفكارك الغريبة أحيانا ً، قالت مبتسمة : أحياناً !! ثم أردفت قائله ، أنت أحببت ما ظننت أنني عليه ، أحببت فاطمة التي صورتها لك زوجة أخي فتاة لا تريد إلا الستر ، هذه ليست أنا ، انها ما تريد أن أكون عليه ، ولكنها ليست أنا
سحب فارس نفساً عميقا ثم قال لها : أنت متأكدة من أن هذا ما تريدينه ؟ ، قالت بحزم : نعم ، سحب يده من قبضتها ، وانتصب واقفًا ، فنظرت إليه وهي على الكرسي المقابل ، بدا شاهقاً وأطول من المعتاد ، ونظر اليها نظرة مودع وقال : أنتِ طالق
وغداً سأذهب إلى المحكمة ، لأثبت الطلاق ، قالت له : شكراً ، لقد انتهى الأمر ، أدار لها ظهره ، وفتح الباب وهم بالخروج ، ثم قال : مع السلامة يا فاطمة ، فردت : مع السلامة يا فارس ، شعرت بوهن يجتاح جسدها كله ، الطلاق مهما رغبنا فيه ، يؤلم جداً ، واشتهت أن تبكي كثيراً بحرقة ، ولكنها تمالكت نفسها ، فلا رجوع