كان عبد السلام رجلًا يسكن أحد الأحياء ، وكان ما يعرفونه سكان الحي عنه أنه متقاعد عن العمل ، ومعروف أيضًا لديهم أنه لم يرزق ولدًا أو بنتًا ، وأنه عقيم لذا طلبت منه زوجته السابقة الطلاق منه منذ خمسة عشر عام ولم يتزوج بعدها
لُوحظ أيضًا أنه كثير الغياب عن منزله مما كان يثير فضول الجيران ، بل ولوحظ في الأيام الأخيرة استضافته لرجل مقعد وعندما سألوه جيرانه عما يكون ذلك الرجل المقعد ، أخبرهم أنه شقيق له عاد من السفر
وعندما سألوه عن سبب تلك الإعاقة ، أخبرهم إنها نتجت عن حادثة شغل ، ولم يخوض في التفاصيل ، ولم يكن هناك أي شبه بينهما ، بل وكان شقيقه والذي يدعى جابر كان قليلًا ما ينطق بالكلام ، أو يحكي عن حياته أو عن فترة عمله بالخارج
في الحي الذي يسكنه عبد السلام وشقيقه ، رجل يعمل سائق تاكسي وقد صادفهما في فجر أحد الأيام يغادران منزلهما ، فعرض عليهما الركوب معه ، وسألهما عن الجهة التي يقصدونها ، وكانت منطقة تبعد ساعة ونصف عن الحي الذي يسكنان فيه
ركب الرجلين سيارة التاكسي ، ووضع الرجل الكرسي المتحرك في صندوق الأمتعة ، وما إن وصلوا إلى مقصدهم ، تولى السائق إنزال الكرسي المتحرك ، وتولى عبد السلام إنزال شقيقه ، وشكره عبد السلام بعد أن دفع له الأجرة
لم يكن عبد السلام يعلم إن تلك الرحلة ستكون حدثًا فاصلًا في يومياته ، حيث عند وصولهما الساعة السابعة صباحًا ، ترك عبد السلام أخيه جابر المقعد على باب أحد المساجد ، وغادر للقيام بجولة في المكان
وكان جابر يبدو رجل في عافيته ، لولا العلة التي جعلته يجلس على كرسي متحرك ، وكان منظره يثير المشاعر ، فكان جابر يجلس وفي يده صحن ألومنيوم قديم ، يضع فيه المتصدقون أموالهم ، وما إن تقل الحركة من حوله حتى يضع ما في الصحن في كيس من ثوب ، ولا يترك إلا القليل فيبدو وكأن أحدًا لم يتصدق عليه
مر رجل بجانب المقعد ويبلغ من العمر الأربعين ، ولم يتصدق عليه بشيء ولما تجاوزه ببضعة أمتار ، عاد نحوه وتوقف عنده وحدق في وجهه مليًا ، فخفض جابر نظره متظاهرًا بالحياء ، ولم يقل الرجل شيئًا ثم غادر المكان وركب سيارة رمادية ورحل
أقترب موعد صلاة الظهر وعاد عبد السلام من جولته ، وأمسك بالكرسي المتحرك ورحل ، وقد لاحظ علامات قلق تبدو على جابر ، ولما سأله عن سبب قلقه أخبره أنه قد رأى البشير ، فسأله عبد السلام : البشير من ؟ ، فقال جابر : وهل يوجد بشير غيره ، إنه بشير بن المختار ، فقال له عبد السلام وبدا متوترًا : هل كلمك ؟ هل عرفك ؟ ، فرد جابر : لم يكلمني ، ولكنه أظن قد عرفني فقد مر من أمامي ، ثم عاد وحدق في وجهي ثم رحل
فأخبره عبد السلام أنه عليهما العودة سريعًا إلى المنزل ، فدفع عبد السلام الكرسي المتحرك متجهًا لموقف سيارات الأجرة ، وبينما هما في طريقهما لموقف السيارات استوقفهما رجلان ، وقال احدهما أنه ضابط شرطة
وطلب منهما إبراز هويتهما ، ولم يتردد عبد السلام في إخراج هويته ، لكن تلكأ ذلك المقعد وأدعى نسيانها في المنزل ، وعندما سؤل عبد السلام عنه ، قال إنه شقيقه وبينما يجيب عن أسئلة الشرطة ، لمح سيارة رمادية تقف بالجوار ، والذي يجلس فيها يشبه البشير ، فأيقن أن كل شيء قد انتهى
طلب منهما الشرطي الحضور لمركز الشرطة ، ولحق بهما البشير وعندما سأل الضابط عن معرفته بالبشير ، حاول الإنكار بل كان البشير قد أخبره إنه مخادع ، وليس مقعد فطلب من الضابط النهوض عن الكرسي ، ولكن رد جابر بأنه لا يستطيع النهوض لأنه مقعد ، فهدده الشرطي بكلمات ، كانت كفيلة لتجعل جابر ينهض عن كرسيه
وواصل البشير وقال : إن ذلك الرجل هجم منزله ليلًا ، وكان معه شخص آخر لكن لم يتمكن من التعرف عليه ، وحاول والده أن يقاومهما ، فتلقى طعنة في بطنه ، تسببت في وفاته ، ويومها سرق من المنزل 150 ألف درهم ، ولم ينكر جابر ما قاله البشير ، بل اعترف أن عبد السلام هو من كان شريكه ، وتوصلت الشرطة أن هذين الرجلين فضلًا عن السرقة ، كانا يحترفان التسول