تنبه السيد الكاظم وهو يقترب بسيارته في شارع المدينة ، أن هناك شخص يطرق باب نافذة سيارته ، كان مظهر ذلك الشخص مخيف ، فملابسه السوداء القديمة ولحيته الكثيفة وشاربه الطويل وعيناه اللامعتان وسط ظلام الطريق ، بثت الخوف في قلب السيد الكاظم ، وكان الرجل يردد كلمات غير مسموعة حيث أمتنع السيد الكاظم عن فتح زجاج نافذته
ما بث الرعب في قلب السيد الكاظم ، هو أن المدينة التي يسكنها تكاد تخلو من المتسولين أو من المتشردين ، فظن السيد الكاظم ربما يكون ذلك الرجل غريب عن المدينة ، أو ربما شخص يريد مساعدة ما ، وتقدم السيد الكاظم بسيارته وحاول أن ينسى المشهد
عاد إلى المنزل وكانت زوجته رقية تنتظره لتناول العشاء ، وضعت رقية الطعام على المائدة ، لكن ظل زوجها شارد الذهن فسألته بصوتها الهادي عن ما يشغل باله ، حاول أن يتفادى الإجابة ، لكن شعر بشيء في داخله يلح عليه إخبارها ، فقص لها عن ذلك الرجل الذي رآه ، وشاركته زوجته شعور الريبة والخوف وأوصته بعدم فتح زجاج نافذته إن صادفه مرة أخرى
دخل الكاظم وزوجته الغرفة للنوم وحلم السيد الكاظم بالرجل الذي أعترض سبيله ، ثم استيقظ ونظر من نافذة غرفته حيث كان الصباح يتسلل ، لا يستطيع السيد الكاظم أن يجد وصف دقيق لما يحسه ، وعاد يسأل نفسه عن مشاعر الخوف التي تسللت له رغم أن ذلك الرجل لم يؤذيه ، عاد السيد الكاظم إلى غرفته ، ارتدى ملابسه وركب سيارته وانطلق إلى عمله ، حين توقف في إحدى الإشارات الضوئية ظهر له ذلك الرجل مرة أخرى وتقدم نحو سيارته
شعر الكاظم أن ذلك الرجل ذو اللحية الطويلة يترصده ، خاصة وقد رآه لا يكترث بإي سيارة دونه ، قرر السيد الكاظم أن يقف للتحدث معه ، ولكن خشي التأخير عن عمله فأنطلق وهو يعلم أنه سيصادفه عند عودته من عمله ، ظلت حيرة الكاظم تلاحقه أثناء عمله ، وما إن أنهى عمله حتى ركب سيارته للعودة
عند الشارع عينه في طريق العودة رأى الشخص ذو اللحية في انتظاره ، فتوقف الكاظم وتقدم إليه ذلك الرجل وسأله عن ما إذ كان هو الكاظم زوج رقية ، وتعجب الكاظم أن ذلك الرجل يعرفه ويعرف اسم زوجته ، فإزدات حيرة الكاظم وسأله عن هويتهأخرج له الرجل ذو اللحية بعض الأوراق من حقيبة تراكمت عليها الأوساخ كانت في يده ، نظر الكاظم في تلك الأوراق وكانت الصدمة ، فتلك الأوراق هي وثيقة ميلاد زوجته وهوية ذلك الرجل التي تشير إلى أنه والدها ، لم يتمالك الكاظم شعوره خاصة وإنه يعلم أن والد زوجته وافته المنية وهي في الثالث من عمرها
كان الكاظم قد تزوج من رقية منذ عشرين عام ، ولم يرزقا بأطفال بعد ، وقد علم من زوجته أن والدها قد توفي منذ الثالثة من عمرها ، قرر الكاظم أن يصطحب ذلك الرجل إلى منزله ، خاصة ومعه ما يثبت نسبه لزوجته ، تم اللقاء وقد عرف من زوجته ما كانت تخفيه لسنوات عديدة
عرف من زوجته رقية أن عند بلوغها السابعة من عمرها ، طلبت من والدها زيارة قبر والدها المتوفى ، لكن والدتها رفضت وادعت بأن مكان القبر بعيد عن بلدتهم ، ولكن مرت الأيام وقبل أن تتزوج رقية بعام واحد ، كانت والدتها على فراش المرض ، وقد أخبرت رقية أن والدها الذي ادعت موته طوال تلك السنوات ، لا تعلم عنه شيئًا ، فقد خرج في رحلة عمل ولم يعود منذ ذلك الحين
وعرفت رقية من والدها إنه عانى من الظلم والغدر من بعض الأصدقاء مما تعرض للمحاكمة وحكم عليه بالسجن عشرين عام ، وخشي إبلاغ زوجته المريضة بذلك ، وبالرغم من فرحة الرجل بلقاء ابنته ، لكن لم تكتمل فرحته حين عرف أن تلك التي أحبها قد ماتت