كانت الساعة الحادية عشرة صباحاً ، خرجت إلى الشارع ، أومأت برأسها لموظف الاستقبال فابتسم ، الشتاء في بداياته وبوسعها أن تكتفي بقميصها القطني والشال على كتفها ، كانت الأرصفة قذرة وفارغة ، وأمامها ساحة رمل وساحة مواقف للسيارات ، مشيت بمحاذاة الفندق ، وقطعت الزقاق الهزيل بين حائطه وجدار الكيربي للمبنى المقابل
واصلت المشي حتى وصلت إلى متجر بيع الأزهار ، دخلت وحيت العاملة الفلبينية وأخبرتها أنها فقدت هاتفها وتحتاج إلى إجراء مكالمة خاصة ، دفعت جهاز الهاتف إلى الأمام وذهبت لمهامها
المكالمة الهاتفية:
منذ الرنة الأولى جاءها صوت : آلو.. آلو .. زينب ؟؟ هذه أنت ؟؟..زينب ، ردت : نعم هذه أنا
سألها في لهفة : من أين تتصلين ؟ هل أنت في السالمية؟ ، أجابت بهدوء : نعم أنا في السالمية ، سألها : أين كنتِ طوال الليل ؟أجابت : أنا على ما يرام ، سألها مندهشاً وقد تملكه شيء من الغضب : هل جننت لتغادرين هكذا ؟! ، أجابت : إنني .. ، قال لها : انك ماذا ؟ ، وأجابت : إنني أفعل ما أشعر به
قال لها : لا يمكنك أن تتصرفين هكذا ، ليس من حقك أن تتصرفين هكذا ، أجابته : هل نتشاجر ؟قال لها : وماذا كنتِ تتوقعين أن أتوسل لكي ؟ ، أجبىته : من حقي أن أتصرف كما أشعر ، بل بالعكس ، من الجرم أن لا أفعل ، رد عليها منفعلًا : وماذا عن حقوق الآخرين ؟ ماذا عن حقي أنا في أن تحترمين زوجتي ، وأن ترد على اتصالاتي ، وأن لا تهرب من بيتي فيم أنا أكدح كالحمار لتأمين عيشتها ؟ ، قالت له بعد أن زفرت : إذا طلقني لترتاح ، أجابها : لن أفعل ، وعودي الى هنا فالجميع قلقون عليكي ، فردت عليه : من ؟
قال لها : أنا وأخيكي وكلنا هنا قلقون عليك ، أخيكي يبحث عنك في الشوارع ، أجابته : يا لك من كاذب ، أتعتقد بأنني مازلت في الثالثة عشرة وأخاف من غضبه ؟ ، قال لها : وإلى أي حد كنتِ تعتقدين أنني يمكنني التستر على استهتارك ؟ ، ساد صمت ليضع ثواني ، ثم سألها : ماذا تنوين أن تفعلي ؟ ، أجابته : أنا بصدد اكتشاف ذلك ، سألها : وماذا فعلت بهاتفك القديم ؟ ، فأجابته : لقد تخلصت منه ، هل قرأت رسالتي ؟ ، رد بغضب : نعم قرأت رسالتك الغبية ، أجابته : أنا لن أعود ، قال لها : لا أستطيع مناقشة مشاكلنا هكذا ، أخبريني أين أنتي ، يمكننا أن نجلس في مقهى وأن نتحدث في الموضوع ، كل شيء يمكن إصلاحه
نهاية المكالمة الهاتفية :
شهقت ، وما كانت تدرى أكانت تبكي ، أم كانت تضحك ، فقال لها : ماذا بكِ ، أتضحكين !
فأجابته : أنا لا يمكن اصلاحي ، قال لها : أين أنت ، أنا في طريقي الى السالمية ، يجب أن نلتقي ، هل نمت بالأمس ، أنا لم أعد إلى البيت منذ المساء ؟ ، فأجابته : يجب أن تنام
قال لها : يجب أن نلتقي
قالت له : لا ، سألها : ولماذا اتصلتي ؟، فأجابته : لكي أقول لك طلقني ، قال لها : لن أفعل ، قالت له : سوف أقفل الخط ، وسأتصل بك بعد عدة أيام ، بعد أن تفكر ، قال لها : إياك ..لحظة ..لحظة ، هل أخذت دواءك ؟ ، أجابته مع السلامة ، وأغلق الهاتف